الشباب السوري بين نيران الغربة وجحيم البقاء

د. عبادة دعدوش:

في ظلِّ الظروف الصعبة التي يعيشها السوريون اليوم، يبدو أن الشباب السوري هم الفئة الأكثر تضرّراً؛ إذ يجدون أنفسهم بين نارين، كل واحدة أشدُّ قسوةً من الأخرى: نار البقاء في الوطن، وسط غلاء الأسعار وتدهور الأوضاع المعيشية ونقص الاحتياجات الأساسية، ونار الاغتراب والبحث عن لقمة العيش في بلاد المهجر، حيث الغربة والاغتراب النفسي يتحدان ليُحيطا بهم من كل حدبٍ وصوب .

نار البقاء في الوطن

في سورية الحبيبة اليوم، يتحوّل البقاء إلى تحدٍّ يوميّ لكلّ سوري وخاصة للشباب. فبعد العديد من الأزمات والحصار الاقتصادي الجائر ومؤامرة تدمير البنية التحتية والاقتصادية والبشرية لسورية، أصبحت الحياة اليومية بمثابة معركة لا نهاية لها. الأسعار في ارتفاع مستمر الى حدِّ الجنون، بينما الرواتب تتضاءل أمامها بشكل لا يُصدق. يكاد الشباب لا يستطيعون تأمين أبسط متطلّبات الحياة، كالطعام والكهرباء والمياه والمواصلات. يجدون أنفسهم مُجبرين على التّخلّي عن أحلامهم وطموحاتهم، ويصبح هدفهم الوحيد هو البقاء على قيد الحياة بأبسط الأدوات والظروف.

الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فالظروف والأزمات المتلاحقة تجعل من الصعب جداً على الشباب التخطيط للمستقبل أو حتى التفكير في تكوين أسرة. فعلى سبيل المثال التعليم الذي كان أهمّ أداة يتسلّح بها كلّ إنسان، والذي كان يُعتبر مفتاحاً لمستقبل أفضل، أصبح اليوم في نظر الكثيرين رفاهية تتجلّى في نظرية لا فائدة عملية منها (التعليم) وإن كانت فيه حالات عملية كالطب والهندسة فهي مُكلفة جداً مع ارتفاع تكاليف الدراسة. وفي النهاية، وبعد كل هذا من الصعوبة بمكان الحصول على فرص عمل جيدة بعد التخرّج.

نار الاغتراب والبحث عن عمل

على الجانب الآخر، يهرب الكثير من الشباب من هذا الواقع المرير إلى الخارج، باحثين عن فرصة جديدة للحياة. لكن نار الغربة لا تقلُّ قسوة عن نار البقاء. في بلاد المهجر، يواجهون تحدّيات من أنواع أخرى كالغربة النفسية والبعد عن الأهل والوطن، إضافة إلى ظروف العمل القاسية والمُجحفة التي تجعل من حياة المغتربين معركة أخرى أكثر ضراوة، فلا حياة اجتماعية ولا وطن يشعرون بالانتماء له، والأسوأ أن الكثير منهم يعملون في وظائف لا تتناسب مع مؤهلاتهم ولا تُعبّر عن طموحاتهم، لكنهم مضطرون لقبولها من أجل البقاء. أمّا من يسعى لتحقيق حلمه في الغربة، فيجد الطريق محفوفاً بالعقبات البيروقراطية والتحدّيات الاجتماعية. هذا إلى جانب الشعور المستمر بعدم الانتماء، والغربة التي تتعمّق مع مرور الوقت.

ما بين النارين

بين هذه النار وتلك، يقف الشباب السوري مشتّتاً، يبحث عن بصيص أمل. كثيرون يحلمون بالعودة إلى وطن يعيشون فيه باستقرار مادي، حيث يمكنهم بناء مستقبل أفضل لأنفسهم ولأسرهم. لكن الأمل يبدو ضئيلاً في ظلِّ الظروف الحالية.

ومع كل هذا، يستمر الشباب في النضال، مُتسلّحين بالصبر والإرادة. يحاولون إيجاد طرق جديدة للتأقلم مع الواقع، سواء من خلال الابتكار أو التعلّم الذاتي أو البحث عن فرص خارج الصندوق وابتكار مشاريع ريادية داخل الوطن وخارجه، ومن خلال الاستثمار في مهاراتهم وقدراتهم. فالأمل بالعمل، والأمل بالجهد والسعي، ليس بالكلام والتفكير الخيالي فقط!

ويبقى السؤال: إلى متى سيبقى الحصار الجائر والحرب الاقتصادية التي فُرضت على سورية والتي تُدمّر مستقبل الشباب السوري وتقف عائقاً وعقبة أمام تحقيق آمالهم وطموحاتهم؟

العدد 1120 - 21/8/2024