(لم يبقَ عنديَ ما يبتزّهُ الألمُ)
عمّار الشيخ علي:
يستهلّ الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري (المولود 1900) إحدى قصائده بشطر حزين (لم يبقَ عنديَ ما يبتزّهُ الألمُ).. يتحدث الشاعر عن نفسه، وعن سنوات طوال عاشها، حملت له الكثير من الهموم والمصائب، فذاق الحزن والألم حتى أضحى لا يُبالي بشيء، فحينما تزداد الآلام وتتجذر، يصبح الكلام بلا معنى، ويغدو الصمت مع الصبر أقصى ما يُمكن فعله.
لسان حال الجواهري ينطق وكأننا نحن من خططنا هذه القصيدة، أو كأننا المقصودون على أقل تقدير.
من منا لم يصل إلى هذه المرحلة من الألم والحزن.. أو لم يمرّ فيها.. من فقدٍ لحبيب، أو استشهاد لقريب بعد الحرب الطاحنة، إلى الغلاء الفاحش، والبطالة وقلة فرص العمل، إلى الفساد؟
من منا لم يركب له صديقٌ أو محبّ أمواج البحر باحثاً عن النجاة من ضنك العيش في بلاد لفّها الحزن والتعب إلى بلاد سيبقى فيها غريباً إلى الممات؟ من منا لم يقف في ساعة وداع ولحظة فراق، بإرادته أو رغماً عنه؟
أصبحنا نسلك طرقات جديدة، ونلج حارات لم نعتد عبورها، كي لا توجعنا الذكريات مع أخ سافر أو صديق ترك الديار.. قلّ عدد البيوت التي كنا نقصدها لتزيد طاقتنا وتنسينا وجع الأيام، وأصبحت صور أعياد الميلاد والأفراح مصدراً للحزن بعدما كانت فرصة لاسترجاع سني المحبة والسلام.. أصبح القرب من أيام الأعياد مصدراً للحزن، فكيف بيوم العيد نفسه؟
أصبحنا نغني (كل الأماكن مشتاقة لك)، وندندن (قلّو عيونه مش فجأة بينتسوا) ونراقب الطيور في السماء ونتذكر أغنية (يا طيور الطايرة روحي لاهلي)..
تغيّرنا.. تغيرت ملامحنا.. ولم نعد نشبه حالنا.. لم يبقَ منا إلا أسماؤنا..
لم نكن يوماً من عشاق الحزن، ولم نستحضره تحت أي ظرف، لكنه فرض نفسه علينا، وتغلغل في يومياتنا، وها نحن نقاومه، ونمنّي النفس بأن ينجلي ليعيد الفرح كرته، وننسى سنوات عجاف، شتّتت شملنا، وفرقت قلوباً تآلفت حدّ التطابق!