إذا أردت امتلاك المستقبل فعليك امتلاك الشباب نبراس المستقبل
د. عبادة دعدوش:
في عالم متسارع التغيير تبقى حقيقة واحدة ثابتة، هي أن الشباب هم المحرك الأساسي الذي يمكنه تغيير مسار أيّة أمة. فإذا أردت امتلاك المستقبل، فعليك بالفعل الاستثمار في عقول الشباب وأحلامهم. ولذا فإن الثاني عشر من شهر آب من كل عام، وهو اليوم الدولي للشباب، يؤكّد هذه المعادلة، وأن نهضة الأمم ومستقبلها مرتبط ومنوط بشبابها.
لكن هذه المعادلة أشبه بمستحيلة الحل أو التطبيق في سورية الحبيبة، حيث يجد الشباب السوري أنفسهم تائهين ومُثقلين بهموم الحياة والواقع المعيشي الصعب. فهم بين فكَّيْ واقع مرير ومستقبل مجهول.
فالشباب السوري يواجه ظروفاً استثنائية، وأقلّ ما يمكن أن نصفها بالصعبة. إنهم يمثلون صورة مؤلمة عن فقدان الطموحات والأحلام أو الأهداف، فالحرب والمؤامرة التي فُرِضَت على سورية الحبيبة أدّت إلى تدمير البنى التحتية ومناطق بأكملها، ولم تكتفِ بهذا بل كان من أبرز أهدافها تدمير الموارد وتهجير الطاقات الشبابية، إضافة إلى محاوله تدمير الاقتصاد السوري من خلال عقوبات جائرة وقوانين غير شرعية فُرِضَت عليها، ممّا قاد إلى واقع مرير يعيشه الشباب السوري حتى اللحظة، فإمّا العمل ضمن ظروف صعبة ومدخول مادي لا يكفي لقوت اليوم، وإمّا السفر والاغتراب.
مستقبل ضائع
في ظلِّ الظروف المادية الصعبة جداً والواقع المعيشي الصعب الذي يعيشه الكثير من الشباب السوري يبقى المستقبل بالنسبة لآلاف منهم غامضاً ومُخيفاً، إذ يتعثّر الكثير منهم في رحلة البحث عن مكان يُحقّق لهم العيش الرغيد وسط مشاعر عدم اليقين والإحباط. بالنسبة للكثيرين، أصبح انتظار الغد مُقلقاً ومخيفاً، إذ تسود أفكار مثل (هل سأجد وظيفة ذات مدخول جيد؟) أو (هل سأحظى بمستقبل يُحقّق لي بعض أحلامي؟) والعديد من الأسئلة التي لا إجابات لها.
لكن، من بين الركام، نجد الأمل والإبداع يلمع بين حين وآخر، فالعديد من الشباب السوريون بدؤوا بتعزيز روح المبادرة. وقاموا بتأسيس مجموعات شبابية تتبنّى الإبداع وتُشارك الأفكار وتُحفّز النقاشات حول مستقبلهم. إنهم يُظهرون للعالم أن الإبداع ليس متوقفاً على الظروف المثالية، بل يمكن أن يزدهر وسط الأزمات. فمن قلب المعاناة يولد التميّز والإبداع، وهذا ما جسَّده العديد من الشباب السوري من خلال إنجازاتهم وتفوقهم في العديد من المجالات الرياضة والعلمية والفكرية والاقتصادية … الخ .
قوة الإبداع
إذا ما رغبنا النظر إلى المستقبل بإيجابية، فعلينا تشجيع تلك الأفكار والمبادرات الشبابية. كما يمكن أن نرى في هؤلاء الشباب نقاء الطموح والرغبة الصادقة في التغيير. وبفضل التحوّلات الرقمية استطاع البعض منهم تجاوز الحدود الجغرافية والانطلاق في مشاريعهم الريادية الخاصة، ليُعيدوا بذلك الأمل إلى من حولهم.
وأخيراً، يمكننا القول إن دعم الاستثمار في الشباب من خلال تعليمهم مهارات عملية وتخصصية، والقيام بتعزيز التدريب المهني والذاتي لهم، يُمكّننا الاستلهام من تجاربهم والعمل على تمكينهم من خلال بناء مشاريع ريادية خاصة بهم، وأن دعم مواهبهم وأفكارهم هو الطريق الصحيح لبناء قاعدة قوية من الشباب القادرين على إعادة بناء مستقبلهم وبلدهم الحبيب. لذا، يجب أن ندرك أن الاستثمار في الشباب ليس ترفاً بل هو ضرورة مُلحّة للوصول وتأمين مستقبل مستدام. فهم الثروة الحقيقية التي لا غنى عليها في كلّ مجتمع.