البروفيسورة نعومي كلاين تعلن بقوّة: نحن بحاجة إلى هجرة جماعية من الصهيونية

ترجمة د. شابا أيوب:

هذا نص خطاب ألقته البروفسورة كلاين في حفل عشاء (سيدير) الطارئ في شوارع مدينة نيويورك بمناسبة عيد الفصح:

في عيد الفصح هذا، لا نحتاج ولا نريد صنم الصهيونية الزائف. نريد التحرر من المشروع الذي يَرتكب الإبادةَ الجماعية باسمنا

الأربعاء 24 نيسان (أبريل) 2024

ترجمة الدكتور حمزة بن قبلان المزيني _ عن صحيفة الغارديان

نص الخطاب:

كنت أفكر في موسى، وفي غضبه حين نزل من الجبل فوجد بني إسرائيل يعبدون عجلاً من ذهب.

كانت (النسوية البيئية) في داخلي غير مرتاحة دائماً بشأن هذه القصة: إذ أيُّ نوع من الإله يغار من الحيوانات؟ وأي نوع من الإله يريد أن يَحوز مقدساتِ الأرض كلَّها لنفسه؟

ولكن هناك طريقة أقل حَرْفية لفهم هذه القصة. إنها قصة عن الأصنام الزائفة. وعن ميل الإنسان إلى عبادة ما هو دنيوي [مبتذل] ولامع، والنظر إلى الصغير والمادي بدلاً من الكبير والمتعالي.

ما أريد قوله لكم الليلة في عيد الفصح الثوري والتاريخي هذا في الشوارع هو أن الكثير من أبناء شعبنا يَعبدون صنماً زائفاً مرّةً أخرى. إنهم مبتهجون به، سكارى به، مدنَّسون به.

ويسمّى هذا الصنم الزائف: الصهيونية.

إنها صنم زائف أخذ أعمق قصصنا التوراتية عن العدالة والتحرر من العبودية ــ قصة (عيد الفصح) نفسها ــ وحوّلها إلى أسلحة وحشية لسرقة الأراضي واستعمارها، وإلى خرائط طريق للتطهير العرقي والإبادة الجماعية.

إنها صنم زائف اتخذ الفكرة المتعالية للأرض الموعودة ــ وهي كناية عن تحرير الإنسان، التي سافرت عبر ديانات متعددة إلى كل ركن من أركان هذا العالم ــ وتَجرأتْ على تحويلها إلى وثيقة تملُّك لدولة عرقية عسكرية.

ونسخة التحرير التي تطرحها الصهيونية السياسية هي في حد ذاتها دنيوية [مبتذلة]. وتطلَّب تنفيذُها، منذ البداية، الطرد الجماعي للفلسطينيين من منازلهم وأراضي أجدادهم في [أحداث] النكبة 1948م.

كانت [الصهيونية] منذ البداية في حالة حرب مع أحلام التحرُّر. ومما يستحق أن نتذكَّره في عيد الفصح أن هذا [التحرير] قد شمِل أحلام التحرير وتقرير المصير للشعب المصري [القديم؟]. ويساوي هذا المعبود الصهيوني الزائف بين الأمان الإسرائيلي والديكتاتورية المصرية والدول العميلة.

وأنتجت [الصهيونيةُ]، منذ البداية، نوعاً قبيحاً من الحرية: نُظر إلى الأطفال الفلسطينيين ليس كبشر بل باعتبارهم تهديداً ديموغرافيّاً ــ مثلما كان الفرعون في سِفْر الخروج يخشى تزايد عدد السكان الإسرائيليين، فأمر بقتل أبنائهم.

لقد أوصلتنا الصهيونية إلى لحظة الكارثة الحالية، وقد حان الوقت لنقول بوضوح: إنها ظلت تقودنا دائماً إلى هنا.

إنها صنم زائف قاد الكثير من أبناء شعبنا إلى طريق غير أخلاقي للغاية، مما جعلهم الآن يبررون تمزيق الوصايا [التوراتية] الأساسية: لا تقتل. لا يجوز لك أن تسرق. لا تطمع.

نحن، في هذه الشوارع [الأمريكية نتظاهر] منذ أشهر وأشهر، نحن الخروج. الخروج من الصهيونية.

إنه صنم زائف ذلك الذي يساوي حرية اليهود بالقنابل العنقودية التي تقتل وتقطِّع أوصال الأطفال الفلسطينيين.

إن الصهيونية صنم زائف خان القيم اليهودية كلها، بما في ذلك القيمة التي نعلِّقها على [طقس] التساؤل ــ وهو ممارسة متأصلة في عيد الفصح بأسئلته الأربعة التي يطرحها أصغر طفل. بما في ذلك حُبّنا كشعب للنص والتعليم.

ويبرر هذا الصنم الزائف اليومَ قصفَ كلِّ جامعة في غزة؛ وتدمير عدد لا يحصى من المدارس، والأرشيف، والمطابع؛ وقتل مئات الأكاديميين والصحفيين والشعراء – وهذا ما يسميه الفلسطينيون (الإبادة التعليمية)، أي قتل وسائل التعليم.

وفي هذه الأثناء، وفي هذه المدينة [نيويورك]، تستدعي الجامعاتُ شرطةَ نيويورك وتحصِّن نفسَها ضد التهديد الخطير الذي يشكّله طلابها الذين يجرؤون على طرح أسئلة أساسية عليهم، مثل: كيف يمكنك أن تدّعي الإيمان بأي شيء على الإطلاق، [وهو ما يعني على الأقل نحن جميعاً]، فيما تقومون بتمكين هذه الإبادة الجماعية والاستثمار فيها والتعاون معها؟

لقد سُمح لصنم الصهيونية الزائف أن ينمو دون رادع لفترة طويلة جداً.

لذلك نقول [هذه] الليلة: هنا ينتهي الأمر.

لا يمكن لدولة عِرقية أن تحتوي يهوديتنا، لأن يهوديتنا أممية بطبيعتها.

ولا يمكن أن تحمي يهوديَّتَنا المؤسسةُ العسكرية الهائجة لتلك الدولة، ذلك أن كل ما يفعله ذلك الجيش هو زرع الحزن وحصد الكراهية – بما في ذلك ضدّنا كيهود.

ويهوديتنا لا يهدّدها الذين يرفعون أصواتهم تضامناً مع فلسطين متجاوزين خطوط العرق والإثنية والقدرة الجسدية والهوية الجنسية والأجيال.

يهوديتنا واحدةٌ من تلك الأصوات [المتظاهِرة] وتَعرف أن في هذه الجوقة تَكمن سلامتنا وتحررنا الجماعي.

إن يهوديتنا يهوديةُ عيد الفصح: إنها التجمع في احتفال لمشاركة الطعام والنبيذ مع الأحباء والغرباء على حدّ سواء، وهي طقوس يمكن حَمْلها بطبيعتها، وخفيفة بما يكفي لحملها على ظهورنا، ولا نحتاج إلى شيء سوى بعضنا البعض: لا جدران، لا معبد، لا حاخام، فهناك دور لكل أحد، حتى – على الأخص – أصغر الأطفال. إن (سيدير) هي تكنولوجيا الشتات، إن وجدتْ، وهي مصمَّمة للحزن الجماعي والتأمل والتساؤل والتذكر وإحياء الروح الثورية.

لذا انظر حولك. هذه، هنا، يهوديتنا. وفيما ترتفع مياه [المحيطات] وتحترق الغابات [بسبب الاحترار المناخي] ويعوزنا اليقين عن أي شيء، نصلي في محراب التضامن والمساعدة المتبادلة، مهما كان الثمن.

نحن لا نحتاج ولا نريد صنمَ الصهيونية الزائف. بل نريد التحرر من المشروع الذي يرتكب الإبادة الجماعية باسمنا. نريد التحرر من إيديولوجية لا تملك خطة للسلام إلا التعامل مع الدول النفطية الثيوقراطية القاتلة في الجوار [هذا من الأكاذيب المتداولة]، فيما هي تبيع تقنيات الاغتيالات الآلية للعالم.

نحن نسعى لتحرير اليهودية من الدولة العرقية التي تريد أن يشعر اليهود بالخوف الدائم، وتريد أن يخاف أطفالنا، وتريد منا أن نعتقد أن العالم ضدنا، حتى نركض إلى حصنها وتحت قبّتها الحديدية، أو، على الأقل، إلى الحفاظ على تدفق الأسلحة والتبرعات.

ذلك هو الصنم الزائف.

ولا يقتصر الأمر على نتنياهو، بل يشمل كذلك العالَمَ الذي صنع [نتنياهو] وهو العالَم الذي صنعه [نتنياهو] – إنها الصهيونية.

فَمَن نحن؟ إننا، الذين ظلوا [يتظاهرون] في هذه الشوارع منذ أشهر وأشهر، نحن (الخروج) [من مصر الفرعونية]. [نحن] الخارجون من الصهيونية.

ولأمثال تشاك شومر [رئيس مجلس الشيوخ الأمريكي] في هذا العالم، لا نقول [كما قال موسى لفرعون]: (دعوا شعبنا يرحل!).

بل نقول: لقد رحلنا بالفعل. و[تسألنا يا شومر] عن أطفالك؟ [ونجيبك]: إنهم معنا الآن (راحلون من الصهيونية).

 

  • نعومي كلاين: كاتبة أمريكية تكتب عموداً صحفيّاً في صحيفة الغارديان البريطانية. وهي أستاذة العدالة المناخية والمديرة المشاركة لمركز العدالة المناخية بجامعة كولومبيا البريطانية [في كندا]. أحدث كتاب لها، Doppelganger (رحلةٌ إلى عالم المرآة)، نُشر في أيلول (سبتمبر) 2023م.
العدد 1120 - 21/8/2024