إنَّهُ يَنخر في مفاصل المجتمع وروابطه

ترجمة: د. شابا أيوب:

نشرت جريدة الشيوعي (الجريدة الشهرية للحزب الشيوعي الدنماركي) في عددها الخامس – أيار 2024 المقال التالي:

بقلم: رايكه كارلسون (١)

 

بدأ يوم النضال العالمي للعمال في شيكاغو في الولايات المتحدة الأمريكية.

وسُمّي هذا الحدث بحادثة هايماركت.  وفي عام 1886، دعت الحركة العمالية الأمريكية إلى إضراب عام لدعم المطالبة بيوم عمل من 8 ساعات.  ثماني ساعات للعمل، ثماني ساعات للراحة، ثماني ساعات لما نريد!

وفي جميع أنحاء الولايات المتحدة، تَدَفق آلاف العمال إلى الشوارع.  وفي شيكاغو استمرت التظاهرة، وانتهت بمذبحة عنيفة، حين انفجرت قنبلة فوضوية أدت إلى سقوط قتلى وجرحى.  وجاءَ الهجوم الشرس على النقابات العمالية في أعقاب حادثة هايماركت، ولم يتغير شيء من حيث المبدأ منذ ذلك الحين.

واستعادَ أرباب العمل السيطرة على عمالهم، ومن ذلك استعادة أيام العمل التقليدية إلى عشر ساعات أو أكثر في اليوم.  كان هناك دعم مجتمعي ومهني هائل للشرطة وجرحاها.  وجرى التبرع بآلاف الدولارات كأموال من أجل رعايتهم الطبية ولدعم جهودهم. وتعرّضَت للكراهية الطبقةُ العاملة بأكملها ومجتمع المهاجرين، وخاصة الألمان والبوهيميين.

وَوفقاً لمؤسسة غالوب، يعمل الشغيل الأمريكي اليوم في عام 2024 بمعدل 47.5 ساعة أسبوعياً.

في بداية نيسان (أبريل) 1872، بدأ عمال البناء في كوبنهاغن إضراباً كبيراً للتخلص مما يسمى (ساعة العبودية) – وبالتالي تقصير يوم العمل من 11 إلى 10 ساعات.

في 2 أيار (مايو) 1872، دعا لويس بيو (٢) عبر إعلان بصفحة كاملة وعلى الصفحة الأولى من جريدة الاشتراكي إلى تجمّع جماهيري في ساحة  ( Nørre Fælled ) (٣) يوم الأحد التالي.  وانتهى المقال بالكلمات الشهيرة التالية:

(منذ آلاف السنين تسقوننا شراب الحياة المُرّ؛ احذر الآن، الهدف كامل! لا تدع قطرة واحدة تدخل فمك، وإلا فسوفَ تَفيض!).

فَسَّرَت الحكومة الدنماركية والشرطة كلمات لويس بيو التهديدية على أنها دعوة للثورة. كانت الدعوة الى هذا التجمّع بالنسبة لرئيس شرطة كوبنهاغن، كرون، مناسبة لدعوة وزير العدل في 3 أيار (مايو) إلى عدم (ترك هذه الفرصة المواتية) لقمع الاشتراكيين تضيع.

إن إقامة هذا التجمع من قبل العمال لم يكن مُخالفاً للدستور، لكن مدير الشرطة أمَرَ بمنع التجمّع في (Nørre Fælled) والتي تسمى اليوم:(Fælledparken)  وعلى الرغم من ذلك، حضر 30 ألف شخص، وَوقعتْ مذبحة.

على الرغم من أن معركة ساحة Fælled كانت بمثابة نكسة مؤقتة للتنظيم النقابي والسياسي للعمال الدنماركيين، إلا أنها أصبحت مثل حادثة هايماركت في شيكاغو، نقطة البداية ليوم عالمي للتضامن والنضال في سبيل الاشتراكية، والذي يجري الاحتفال به في جميع أنحاء العالم في الأول من أيار (مايو). يومٌ حاسمٌ لا نزال نُظهِر فيه الروح القتالية ومقداراً من القوة، ونواصل تقديم المطالب، ويتحد في هذا اليوم العمال في جميع البلدان.

ولم يغيّر أرباب العمل ولا الحكومات موقفهم منذ ذلك الحين. لقد أصبحت مواقفهم في بعض الحالات أكثر دقة. نجربها مع النقابات الوهمية التي نجحت في جعل الناس يعتقدون أنه لا فرق بين النقابات الصفراء والحقيقية.  يتدفق الأعضاء على النقابات الصفراء بسبب الأسعار. ونشهد أيضا حكومات تناوبتْ على التدخلات التشريعية تحت ذريعة (الحرية الفردية).

كما جرى التدقيق في ارتباك المفهوم، فعلى سبيل المثال لجعل الناس يعتقدون أن الحد الأدنى للأجور يجب أن يكون قانوناً وليس عبر التفاوض.

 

مَن المستفيد؟

مَنْ مِنّا لا يريد الحق في التفاوض بشكل جماعي على استحقاقنا؟ وهذا ما سيحدث في السنوات المُقبلة مع توجيهات الإتحاد الأوربي بخصوص الحد الأدنى للأجور. وإذا قُبِل ذلك، فإننا نعلم من خبرتنا أن أرباب العمل سيستفيدون منه بالطبع.

الجشع لم ينتهِ بعدُ، ولم يضع الجشعون نهايةً له قطّ، وهذا معروف لدينا من التجربة.  إن الحقوق التي ناضلنا من أجلها بشقّ الأنفس لم تأتِ من تلقاء نفسها، للأسف.

كل يوم، يحاول بعض أرباب العمل في الدنمارك تجنّبْ الاتفاق الجماعي للأجور.  ويمكن رؤية عمليات الحصار في كل مكان من أماكن العمل التي تحدث فيها هذه الفظائع. كما أنهم يحاولون تجنّب تأمين السلامة في مكان العمل. الحوادث المميتة والإصابات تحدث بانتظام. أمّا الغش والتشهير فهو أمرٌ شائع. ويجري نقل الوظائف إلى بلدان حيث العمالة أرخص، أو العكس من ذلك استيراد العمالة الرخيصة إلى البلد.

ولحسن الحظ، لا تزال لدينا نقابات عمالية تُنظِّم القوى العاملة الأجنبية وتكشف الاستغلال المُقزّز وجشع أرباب العمل.

والآن تُريدنا الحكومة بقيادة رئيسة الوزراء ميتي فريدريكسن، أن (… نبقى لفترة أطول قليلاً في خط التجميع   (the assembly line)وبنفس الراتب.  وتُبَرّر هذا بسبب الحرب في أوكرانيا.  لكن هذا السبب كان وراء سرقة يوم الصلاة العظيم العام الماضي، الذي كان عطلة رسمية، والوقوف ضد مطالبة الناس بتقليل ساعات العمل.

لم نتمكن منذ عام 1990 من تقليل ساعات العمل.  وعندما يتحدثون الآن عن أسبوع مكوّن من 4 أيام عمل، يجب أن تدرك أنك ستعمل عدد الساعات نفسها التي يجب إكمالها وتوفيرها. وهذا لا يُخفِّف من إرهاقنا. يُطالب الشيوعيون بأسبوع عمل مدّته 30 ساعة وبكامل الأجر، ونحن نفعل ذلك لأنَّ لبلدنا المال الكافي، ولأن ذلك مُفيد لصحتنا.

يؤثر الإجهاد وغيره من الأمراض المرتبطة بالعمل على صحة العمال بسبب ارتفاع مستوى الإنتاجية. نحن العُمال لسنا كُسالى، بل على العكس من ذلك. ويُظهِر استطلاع أجراهُ مجلس الأعمال التابع للحركة العمالية أن الفجوة بين الأغنياء والفقراء الآن تُشير إلى أنَّ متوسط ​​العمر المتوقع قد يصل إلى فارق عشر سنوات، بعد أن كان خمس سنوات في السابق. وتسير الأمور في الاتجاه الخاطئ بسبب زيادة سن التقاعد، وزيادة متطلبات الإنتاج، وضعف فرص الحصول على الرعاية الصحية المطلوبة.

 

النضال ضد الرأسمالية

تُظهِر اتفاقية العمل الجماعية العامة لسنة 2024 بوضوح عدم التقدير للعمال والشغيلة. إذ يؤدي الإجهاد المرتبط بالعمل سنوياً إلى خسارة 55000 وظيفة كاملة في المعروض من العَمالة.  وفي الوقت نفسه، تبلغ الثروة المفقودة 55 مليار كرونة دانمركية مسببةً بذلك ضعف الرخاء الاقتصادي.

إنّ أغنى أغنياء الدنمارك يمتلكون 25.5 في المئة من إجمالي الثروة، وستقوم الحكومة قريباً بتخفيف ضريبة الميراث على نقل الأسهم وأسهم الشركات والمؤسسات المملوكة للعائلات إلى الجيل القادم. الأغنياء يزدادون ثراءً.

 

المعركة لم تنته بعد

وقد أعلن الاشتراكيون الديمقراطيون للتو دعمهم الحزبي، الذي يُظهِر من بين أمور أخرى أنه يأتي من نقابة أرباب العمل الدنماركية، ونقابة الشحن الدنماركية، ومنتديات المهن الأخرى.  نعم، نحن نعرف ما هي مصالحهم، وهي بكل تأكيد بالضدّ من مصلحتنا.

لم يتغير الزمن كثيراً منذ بدء التمرّدات الأولى، وغنَّى جو هيل (٤): إلى جانب مَنْ تقف أنتَ؟

هذا هو السؤال الذي يتعيّن على كل أعضاء النقابات العمالية في الدنمارك أن يطرحوه على قياداتهم، الذين من الواضح أنهم مُستمِرّون في دعم حزب أرباب العمل الذي أصبح واضحاً الآن، ألا وهو الحزب الاشتراكي الديمقراطي.

نُكرّر: دع كلّ ما لا يستطيع الوقوف يسقط!

نحن الذين نرث التاريخ، ونُقاتل من أجل المستقبل.

 

 جبهة الحُمُر في الأول من أيار – عيد العمال

 

 

(١) رئيسة الحزب الشيوعي الدنماركي بالتناوب.

(٢) هو سياسي دنماركي، ولد في 14 ديسمبر 1841 في مدينة روسكيلدا في الدنمارك، وتوفي في 27 يونيو 1894 في شيكاغو في الولايات المتحدة. نَشطَ حزبياً في الحزب الاشتراكي الديمقراطي.

(٣) هي حديقة واسعة داخل العاصمة كوبنهاغن تشهد احتفالات الأول من أيار، وفيها الكثير من الأشجار الجميلة والكبيرة، كما أن هناك فرصة للجلوس والشواء فيها أو مجرد الاستمتاع بالبقاء في المنطقة الخضراء.

(٤) جو هيل: هو كاتب خيال علمي وروائي وممثل أمريكي، ولد في 4 يونيو 1972 بهيرمون في الولايات المتحدة.

 

العدد 1120 - 21/8/2024