شرعنة الفساد هروب حتى من شريعة الغاب
إيمان أحمد ونوس:
الفساد آفة أخلاقية واجتماعية خطيرة تُهدّد المجتمعات البشرية كافة، ذلك أنها موجودة في مختلف هذه المجتمعات وإن بنسب مختلفة تبعاً لفاعلية القوانين والقيم الاجتماعية والأخلاقية السائدة، وكذلك تبعاً لاهتمام الحكومات المعنية بمعيشة المواطن وحقوقه وكرامته، التي نصّت عليها جميع الدساتير على مستوى العالم أجمع.
وانطلاقاً من هذا، ندرك أن تلك الآفة أكثر ما هي موجودة ومُنتعشة في بلدان العالم الثالث التي تُعاني تخلّفاً على مختلف المستويات، ممّا يؤدي حتماً لفساد مُتعدّد الأوجه والغايات. وسورية إحدى تلك البلدان التي احتلت مرتبة (مرموقة) في هذا المجال منذ عقود خلت، وذلك بسبب السياسات الحكومية المُتّبعة، لاسيما حين ساد ما سُمّي: اقتصاد السوق الاجتماعي، فتقلّص إلى حدٍّ كبير دور الدولة في حماية احتياجات المواطن وحقوقه كما نصّ الدستور، لكن في ظلِّ غياب الرقابة والقوانين الرادعة، ممّا حوّل تلك الآفة إلى ثقافة فردية واجتماعية تبريرية سائدة حيث (الغاية تُبرر الوسيلة)، انطلاقاً من أن الرواتب والأجور في القطاعين العام والخاص لا تفي حتى بالاحتياجات الأساسية أو الدنيا للعاملين فيها.
ورغم كل تبعات الحرب التي عاشها عموم السوريين وما زالوا يعيشونها ويُعانونها، ورغم مختلف الخطط والقرارات الحكومية التي اتُخِذَت بشأن محاربة الفساد، والعمل ظاهرياً على حماية حقوق المواطنين وكرامتهم وتحسين مستوى معيشتهم، نرى أنه على العكس من كل هذا، فقد استشرى الفساد بصورة مريعة حتى صار علنياً بعد أن كان مُستتراً بعض الشيء، والمؤلم أكثر أن أصوات وتصريحات أو تحليلات العديد من المسؤولين المُتعلّقة بالوضع المعيشي للناس في مستويات مُعيّنة باتت تُشرعن الفساد انطلاقاً من أن الهوّة بين الرواتب والأسعار لا يمكن جَسْرها اليوم، وما هذا إلاّ من باب رفع العتب والعجز عن إيجاد الحلول المطلوبة والمُمكن تحقيقها فقط لو أرادت الحكومات المُتعاقبة ذلك، لكن تلك الحكومات كانت قد صمّت آذانها وما زالت وبمختلف المراحل عن كل المطالب والمطالبات الدائمة بما تعهدت به، مُخلية الساحة لذوي النفوس الضعيفة كي يجدوا بأنفسهم موارد إضافية تدعم رواتبهم الهزيلة، وبالتالي لا رقابة ولا محاسبة، ما جعل من الموظف أو العامل الذي يرفض تلك المسلكيات أو يُدينها حالة شاذّة ومرفوضة أحياناً على المستوى الوظيفي والمجتمعي.
وهنا تكمن الخطورة الأكبر، فحينما يتحوّل الفساد إلى ثقافة يتبنّاها المجتمع ويحميها مثلما تُسهّل لها الحكومات بدل العمل على محاربتها والتصدي لها فنحن سائرون وبخطاً سريعة إلى الانهيار المُتسارع على مختلف المستويات والقيم والوجود الإنساني ذاته، فنتحوّل إلى قطعان تعيش على شريعة الغاب والبقاء للأقوى في كل الاتجاهات، رغم أن وحوش الغاب لديهم شريعتهم التي لا تُحلّل قتل الضعيف والمُستسلم لقدره.. فهل نأخذ بهذه الفقرة من شريعة الغاب لنُنقذ أنفسنا وبلادنا التي كانت توزّع خيراتها في مختلف أرجاء الكون؟