ذكريات الرفاق الشيوعيين وأصدقائهم

الرفيق كمال الخولي (أبو منصور):

ملامح من نضال الشيوعيين السوريين

في عهود الديكتاتورية والعمل السرّي

 

إعداد: ذوقان شرف

ملامح شخصية:

محل وتاريخ الولادة: إزرع، 1936، الرقم الوطني: 03200042704.

تاريخ الانتساب للحزب: 1953 (كنت في الصف التاسع، في أيام الشيشكلي)، عن طريق الرفيق عطا الله قوبا. كنا ندخل المدرسة بعمر 7 سنين، المرحلة الابتدائية 5 صفوف، والإعدادية 4 صفوف. سجلت في أهلية التعليم الابتدائي، عام 1953 وتخرجت عام 1957.

عملت في التعليم 33 سنة، علّمت في درعا، ريف دمشق، دمشق، مكان الإقامة في دمشق (باب مصلّى، ثمّ القصّاع).

أُحلت إلى التقاعد عام 1990، وأقمت وما زلت مقيماً في جرمانا بدءاً من عام 2000.

  • احتجاج في مكتب وزير الداخلية

في انتخابات 1954 ترشّح عن الحزب الرفاق:

+ خالد بكداش

+ نصوح الغفري

+ جورج عويشق.

كُلِّفنا بتوزيع البيان الانتخابي للحزب، وتقرّر أن نبدأ بتوزيعه في حيّ العمارة (وهو من أحياء دمشق القديمة)، والعمارة محسوبة على الحزب الوطني، وزعيمه في الحيّ آنذاك أبو عبدو العشّي.

حين بدأنا التوزيع، كنّا نحو عشرين رفيقاً، فهاجمَنا جماعة أبو عبدو العشّي، وأخذوا منا البيانات وشقّوها، فتفرّقنا.

قرّر الحزب تنظيم وفود للمطالبة والتأكيد على حرّية الدعاية الانتخابية.

شكّلنا وفداً من الحيّ، وكان وزير الداخلية (إسماعيل قولي) المعروف أنه (نظيف)، قد وعد بأن تكون الانتخابات نزيهة، وفعلاً كانت نزيهة.

كلّفْنا أحد الرفاق، بأن يتحدث باسم الوفد. دخلنا إلى وزارة الداخلية، وعرّفنا عن أنفسنا بأننا وفد من القصاع. أدخَلونا إلى مكتب الوزير مباشرةً، بدأ رفيقنا الحديث فقال: سيادة الوزير، وعدتم بانتخابات نزيهة، حرّة، ونحن أمس أثناء توزيعنا البيان الانتخابي لمرشحنا، هاجمَنا.. سأل الوزير: أنتم شيوعيون؟

  • نعم، نحن من أنصار المرشح خالد بكداش!

+ سلّموا لي على خالد بيك، وقولوا له: الانتخابات ستجري بحرّية ونزاهة!

رفيقنا- نحن جئنا نحتجّ..

الوزير- أهلاً وسهلاً! سلّم على الأستاذ خالد، وأكِّد له..

قاطعه رفيقنا (غاضباً)- ولكن، نحن جئنا نحتجّ..

ردّ الوزير (مبتسماً)- إي، احتجّ أخي.. احتجّ!

فضحكنا جميعاً وخرجنا مسرورين من موقف الوزير ودماثته ولطفه في التعامل معنا.

 

  • احتفالات الأول من أيّار 1953

في شهر أيّار، كان الحزب يتحوّل إلى ورشة عمل، وكما في الحزب، كذلك نحن في منظمة القصّاع وباب توما، تصبح فِرق الحزب خلايا نحل، لكلٍّ منها عملها.

كان الحزب يحتفل دوماً بالأول من أيّار، لأنه عيد العمال العالمي، وكان يدعو إلى التضامن بين عمال العالم، من أجل عالم بلا استغلال، وبلا فقر، وبلا حروب.

مهمّة الرفاق الرئيسية هي توزيع بيان الحزب الصادر بهذه المناسبة، وقد صادف أن الأول من أيّار عام 1953 كان يوم الأحد، فجرى توزيع البيان على نطاق واسع على جموع المصلّين الخارجين من الكنائس. كما وزّعنا البيان على الورش والمحلّات وتجمّعات العمال في الأماكن المجاورة للحيّ. وكتب رفاق آخرون بهذه المناسبة على الجدران، بخطٍّ عريض وباللون الأحمر:

– عاش الأول من أيّار.. عيد العمال العالميّ!

كذلك دعت اللجنة الفرعية للحيّ إلى عقد سهرة احتفالية، في دار النقابي الكبير جبران حلال، حضرها عددٌ من النقابيين الشيوعيين، ومنهم الرفاق: حنين شاغوري، داوود رستم، إلياس شطاحي، جوزيف مسلّم، وغيرهم من العمال والحرفيين الأصدقاء والرفاق في الحزب.

من أجواء السهرة الاحتفالية

رحّب الرفيق جبران حلال بالعمال الحضور: أول أيّار عيدنا، نحن العمال، حروفه منقوشة بذاكرة كلّ واحدٍ منّا، تحت راية هذا العيد يلتقي ملايين العمال في أنحاء العالم، كلّنا عشنا ونعيش أيام هذا العيد، كلّنا أبناء طبقة واحدة، وحزب واحد.

كم تغيّرنا!

كم تغيّرت يا رفيق سيمون، وأنت يا رفيق حنين!

يقاطعه الرفيق داود رستم: أنت شيخ الشباب، أنت شيخ الشيوعيين يا رفيق أبو سليمان!

وتكلّم الرفيق أبو رياض: أنتم معلّمونا الأوائل، أنا ما زلت مبتدئاً، تجاربكم وسيرتكم مدرسة ينهل منها كلّ عامل وكلّ رفيق.

ويقول الرفيق حنين: كانت أياماً صعبة، سلطات الاحتلال الفرنسي تأمر بحلّ الأحزاب، الأحزاب رضخت للأمر الواقع، وبقي حزبنا في ساحات النضال. السلطات الاستعمارية تضيّق على النشاط السياسي والنقابي، ملاحقات، واعتقالات، وسجون.

وتابع حنين: على زمن اللجنة الألمانية، كنت على صلة بالرفيق بهجت، وكان يسلّمني كميات من بيان الحزب بمناسبة الأول من أيّار، وكنا نوزعها على عمال النجارة في النقابة وورشات النجارة في الحيّ.

سنوات من العمل الشاقّ المُضني، من أجل نقابات موحّدة في حركة نقابية واحدة، سنوات من النضال في سبيل:

  • 8 ساعات عمل يومياً
  • زيادة الأجور
  • التأمين الصحّي
  • يوم عطلة أسبوعية مدفوع الأجر
  • منع التسريح
  • وغير ذلك من الأهداف التي تعيد وتضمن للطبقة العاملة حقوقها ومكانتها.

في هذه اللحظة، دخلت الرفيقة أم سليمان، تحمل أقداح الشاي وقِطعاً من الحلوى، وهي تزهو رائعةً بابتسامتها النابعة من القلب، وقالت بكلّ ودّ وكلّ دفء:

  • كلّ عام وأنتم بخير، يا رفاق! عاش الأول من أيّار.. عيد العمال العالميّ!

 

 

الاحتفال بذكرى ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى

ها هي ذي مهمات جديدة تواجه الحزب ومنظماته، يجب أن تجري الاحتفالات بذكرى ثورة أكتوبر على مدى أسبوع كامل.. وجاءت توجيهات الحزب أن هذه الاحتفالات يجب أن تُحدث ضجّة في الأوساط السياسية والشعبية.

توزّع الرفاق المهمّات فيما بينهم:

  • توزيع بيان الحزب الصادر بهذه المناسبة، على أوسع نطاق.
  • تعليق لافتات تتضمّن شعارات الحزب، في ساحات الحيّ وشوارعه.
  • كتابة الشعارات على الجدران.
  • تنظيم مظاهرة طيّارة في كلٍّ من ساحة حيّ العمارة، وأمام مدخل سوق الحميدية، وباب الجابية، وأمام الجامع الأموي. أما المظاهرة الطيّارة (وهي أحد أبرز أشكال نضالنا في عهود الدكتاتورية والعمل السرّي)، فهي أن يلتف حول المسؤول عن المظاهرة، عددٌ من الرفاق (3، أو 4، أو 5 رفاق) في لحظة مناسبة، وفي نقطة يختارونها بدقّة، فيطلق المسؤول هتافات محضّرة سلفاً، وكانت في ذلك العام:
  • عاشت الذكرى السادسة والثلاثون لثورة أكتوبر!
  • عاش الاتحاد السوفييتي العظيم، صديق الشعوب!
  • تسقط الديكتاتورية العسكرية!

يردّد الرفاق كلّ هتاف مرّة أو مرّتين، بعد المسؤول، ويلقون قصاصات مطبوع عليها شعارات تخصّ المناسبة، ثم يتفرّقون وينطلق كلٌّ منهم في اتجاه، حتى لا يقع أيٌّ منهم في أيدي رجال الأمن.

العدد 1104 - 24/4/2024