التسامح طريقاً لبناء السلام والبلاد

د. عبادة دعدوش:

منذ نعومة أظفارنا ونحن نسمع مصطلح (تسامح) ونوّكل به علاقاتنا مع الآخرين.

لكن هل نقوم به بحبٍّ ودون تكلّف، وهل فعلا ًهو خصلة ملازمة لنا حتى مماتنا؟

لنُعرّف بداية ًالتسامح كما عهدناه في كتب العلم:

التسامح هو لغة من المسامحة والمساهلة. واصطلاحاً، فإن التسامح يعني الصفح والعفو والإحسان والذي يقابله عكساً التعصّب والتطرّف.

كما أنّ التسامح شكلاً من أشكال الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا ولأشكال التعبير وللصفات الإنسانية لدينا، ويُعزَّز التسامح بشكل قوي بالمعرفة والانفتاح والاتصال وحرية الفكر، فهو الوئام في سياق الاختلاف.

التسامح يكون أو يتمّ برغبة صادقة من الإنسان في أن يكون سعيداً لا يُعكّر صفوه شيء، يعيش قبولاً وتقبّلاً لما بين يديه، لواقعه ولظروفه، فينسى السيئ ويستحضر الجيد منها، ويوسّع صدره فيتجاوز أخطاء الغير ابتغاءً لمرضاة الله الذي يحبُّ العافين عن الناس. كما يكون التسامح بترويض النفس وتعويدها على ذلك بامتلاك الوعي وإدراك قيمة الذات والآخر والحياة.

أهمية التسامح في حياة الإنسان والمجتمع

نحن نعلم أن التسامح هو خُلق الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فهو بوابة لتحقيق ما أُرسلوا به وما يدعون إليه، لما له من دور فاعل في تحقيق الهدف المنشود وتماسك المجتمعات والشعوب في وجه الفساد ونبذ الخلافات والصراعات بين جميع أفراد المجتمع. والأهم أنه عنصر أمان لبناء ذات قوية، سعيدة وراضية. إضافة إلى أن ّالتسامح بوابة للرغبة في قبول الاختلاف في المعتقدات والممارسات الثقافية والاجتماعية والدينية للآخرين مع اعترافنا بوجود المعتقدات الفردية، فهو يسمح بالاعتراف بوجود التنوّع، وأداة لانتشال أيِّ بلد من آثار الحروب والفساد.

يمكن للتسامح أن يبني إنساناً سليماً، والإنسان يبني مجتمعاً، والمجتمع يبني حياة آمنة ما دام المجتمع غير مُفكّك، وما دالم معافى من السلوكيات المُدمّرة. لذا فهو يبني البلاد ويُعيد تعاضد الأمم وسلامها.

بالتسامح والتقبّل والامتنان يمرُّ كل مُرّْ، ويخلق جيلاً جديداً معافى من برمجة العادات السلبية والأخلاق والسلوكيات السيئة.

كثيرة هي الشعوب التي أعادت إحياء ثقافات وقيم وسلام باعتناقها للتسامح والمشاركة.

واليوم في سورية، يُعتبر التسامح ردماً لقسم كبير من دمار داخلي كاد أن يتحوّل للتفرقة والشجارات وغيرها من حقد وحسد. وإلى الآن ما نزال بحاجة إلى مزيد من التسامح لنُعيد أصالتنا ولنعبّد طريق الهدف والرسالة التي أُمرنا بها من الأجداد إلى اليوم.

لا يكفي الكلام بقدر ما نحتاج إلى الفعل، وبقدر ما يكون البدء من أبسط المواقف في وسائل النقل، في المؤسسات، في أماكن العمل، في الأسرة، مع الأصدقاء وبكل مواقف الحياة التي نعيشها.

لقد قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتحديد اليوم الدولي للتسامح في 16 تشرين الثاني عام 1996 ودعت لاعتماده وتكريسه من خلال القيام بأنشطة ملائمة توجّه نحو كل من المؤسسات التعليمية وعامة الجمهور، تأكيداً لضرورة التسامح بين الأفراد والمجتمعات والدول.

العدد 1120 - 21/8/2024