الفقر ذلك الشبح المُخيف

وعد حسون نصر:

الفقر.. ذلك الشبح المُخيف، الكابوس المرعب، مٌدمّر أحلامنا، قاتل أمانينا، المُقيد لطموحاتنا، يدخل منازلنا فيحمل معه العجز والمرض والبؤس والكآبة، كما يحمل الخمول وعدم القدرة على التفكير.

هنا لا مجال للنهوض، إلاَّ إذا كان لدينا الإصرار على مجابهته بطرق كثيرة، ربما بالعمل أو العلم أو الإبداع ومحاولة النجاح بكل الظروف، فالكثير من البشر خرج من بيئة فقيرة وأصبح عالماً مشهوراً، وهناك من يعمل على تدوير القماش أو الجوارب القديمة وحتى الورق فيصنع كرة مثلاً ليُنمّي موهبته بكرة القدم داخل جدران منزله فيغدو لاعباً مشهوراً، أيضاً هناك من تصنع من بقايا ملابس من حولها من الأهل والأصدقاء والجيران ملابس تناسب مقاسها حتى باتت مُصمّمة أزياء مشهورة تلبس من أزيائها أشهر الشخصيات الفنية والمشاهير في العالم، وهذا إن دلَّ على شيء فإنه يدلُّ على أن الكثير من الأشخاص قد انتصروا على الفقر وتخطوه إلى النجاح وتحقيق أهدافهم.

يا ترى، في زمن الأزمة التي عاثت في البلاد، هل تغلّب الكثير من أبناء بلادي على الفقر؟ هل هزموه وانتقموا من جبروته فدمروا قبضته الحديدية؟ لا أعتقد أن ظروف الحياة مهما قست ستكون أكبر من كل التحديات. لكن بالمقابل، فإن من وجد نفسه في الشارع لا سقف سوى الفضاء، ولا فراش إلاَّ حصى الطريق، والجدران شراشف رثّة فقد انحصر طموحه في المأوى، في ستر عورته أمام المارة.. وأكبر سقف لطموحه غدا حماماً يغسل به قذارة الدهر وذيول الهزيمة، فلا مجال للانتصارات على الذات أمام مرارة الأيام هذه، فبدل أن يكون الفقر دافعاً للطفل ليكمل دراسته ويخرج للحياة الكريمة ببدلة أنيقة وعقدة عنق ملونة بألوان سنين تخطّاها، غدا هذا الواقع أكبر صخرة تقف بوجه ذاك الطفل غير مُكترث لنحولِ ساعديه وعجزهما عن إزالتها ليصبح أكبر سبب في تسيّبه وابتعاده عن مقاعد المدرسة، مُنصرفاً وبوقت مُبكر لسوق العمل كمعيل وفرد مُنتج لأسرة شرّدتها لعبة الأمم! كذلك لم يعد المُحفّز للشباب البالغ لإنهاء اختصاصه في إحدى الجامعات العالمية بعد أن قهره على أرض الوطن وتحداه ليخرج من سيطرته ويغدو متفوقاً بأشهر الجامعات الخارجية، للأسف فإن الفقر والواقع القائم قد هزم طموحه وجعله ينهي تعليمه الجامعي باكراً ويتّجه للعمل نادلاً بأحد المطاعم على طاولة تجّار الدماء من مرتزقة الحروب والخراب. حتى الكهل الذي زيّن الشيب شعره وذقنه ليخبرنا كم عانى ليسوّر بنجاحه أحد منجزاته من معمل صغير أو كبير، من مشروع أسماه مشروع العمر، فغدا بعد أن هدمت الأزمة سور الأمان والنجاح حول إنجازاته مشرّداً في الطرقات.

الوطن يعتاش على فتات القهر وذكريات الزمن الجميل، أبواب النجاح أغلقها الفقر في بلاد كانت غنية فكبّلنا جميعاً من شبابنا لشيبنا وكبّدنا خسائر في الروح قبل الممتلكات، غدونا عبارة عن أجساد تعمل فقط لتبقى على قيد الحياة لكنها خالية من الطموح بعيدة كل البعد عن الحياة الكريمة والإنسانية، حتى بتنا مجرّد أموات تدير أحلاماً مهزومة، وغدا الفقر قرين الروح المسيطر على كل البسملات، فلا مجال للابتهال والشفاعة لتخفيف القهر.

العدد 1104 - 24/4/2024