التجربة والبرهان

فؤاد اللحـام:

يبدو أن النصف الثاني من هذا العام لن يكون كما يرام، فالإحباط يشمل الجميع تقريباً والصعوبات غير المسبوقة تشمل مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، والحديث المتكرر والموحد حول كل هذه الأمور يتكرر في كل مكان ولقاء، بل وصل الى مستوى حديث الشخص مع نفسه.

القرارات الموجعة التي تُتخذ دون اجراء الدراسة الوافية لها قبل إلإقراراها ساهمت بشكل كبير في هذا التدهور غير المسبوق. والذي يزيد الأمور سوءاً هو الحديث عن دراسات مطولة لهذه القرارات والإجراءات، فكيف كانت ستكون النتائج دون هذه الدراسات الطويلة المزعومة؟

القرارات المتسرعة وكذلك القرارات قيد التجريب والقرارات المتأخرة بعد فوات أوانها، كلها كان من المفترض دراستها من مختصين موضوعيين لمعرفة آثارها السلبية ومخاطر تطبيقها والإجراءات اللازمة لضمان تحقيق الأهداف الإيجابية المرجوة منها ومعالجة أو الحد من الآثار السلبية المتوقعة. لأنه بالتأكيد لا يمكن لأي إجراء أن يكون إيجابياً مئة بالمئة، فلا يخلو هذا الإجراء أو ذاك من بعض الآثار السلبية التي يجب معرفتها أولاً واتخاذ الاجراءات والتدابير الضامنة لمعالجة هذه الآثار وحسن تنفيذها. تماماً مثل تناول حبة الأسبرين أو أي دواء الذي لا يخلو عادة من بعض الآثار الجانبية، لكن يجري بيانها والتركيز على تجنب هذه الاثار ومعالجتها لتحقيق النتائج الايجابية من تناول هذا الدواء ومعالجة الحالة المرضية.

ما سبق عرضه يشير إلى ضرورة المعالجة الجذرية لأسلوب اتخاذ القرارات من قبل مختلف الجهات لضمان جودة آثارها ونتائجها. يقولون: التجربة أكبر برهان! لكن هل البرهان على جودة الشيء الذي نجربه أو على سوئه؟ أم البرهان على قدرة من يقوم بتنفيذ التجربة بالجودة المطلوبة لمعرفة الجيد من السيئ؟

عندما تسأل أحد معارفك عن ميكانيكي جيد لإصلاح سيارتك وتكتشف بعد اللجوء اليه أن ذلك الميكانيكي ليس على المستوى المطلوب أو المتوقع فإن من المفترض أن تعلم ذلك الشخص بما حصل وعدم طلب مشورته لاحقاً.. لكن ما يحدث أنك لا تفعل ذلك بل تعود مرة أخرى لتسأله عن نجار أو حداد أو دهان لتتكرر الأمور، وهو ما يعيد طرح السؤال: هل المشكلة في قدرة ومصداقية ذلك الشخص في ترشيح الأشخاص المناسبين للقيام بما تحتاجه أو تطلبه؟ أم المشكلة في عدم استخلاص الدروس اللازمة حول عدم كفاءة ذلك الشخص وضرورة عدم الاعتماد عليه؟

التجربة تؤكد ضرورة محاسبة المسؤول أو الجهة التي تقترح الإجراءات والقرارات الخاطئة، أو على الأقل عدم الاعتماد عليها بعد الآن في مثل هذه الأمور واعتماد أسلوب آخر وآلية أخرى تكون أكثر كفاءة ومصداقية في كل هذه الأمور حتى يصبح البرهان في الوقت ذاته اختبار الجيد من السيئ واختبار كفاءة من قام بالاختبار.

العدد 1104 - 24/4/2024