هل يمكن استثناء التعليم وعزله عن عصر العولمة؟

يونس صالح:

هل يمكن استثناء التعليم وعزله من عصر العولمة وثورة الاتصالات والمواصلات؟ يظل هذا السؤال قيد الطرح والدراسة..

يقول الخبراء إن المنافسة هي ما يحكم قرننا، وهذه المنافسة لم تعد كما في السابق محلية، بل هي مفتوحة على العالم، والمعلومات هي مجال هذه المنافسة. من يملك المعلومة ويعرف كيف يستخدمها هو الأقدر على المنافسة، ولأن العلوم والرياضيات على وجه التحديد هما أساس العلم الحديث ومخترعات العصر وخزانة معلوماته، فإن الدول تتنافس في تحويل أبنائها عبر مؤسسات التعليم والأبحاث إلى خزائن متنقلة للمعلومات.

فهل تملك جامعاتنا القدرة على المنافسة في عصر العولمة؟ وكم يبلغ عدد الخريجين القادرين على منافسة زملائهم في سوق العمل العالمية للحصول على الوظيفة؟ وإذا كان رأس المال لا يعرف وطناً ولا جنسية، ويبحث عن العامل الأكثر كفاءة وإنتاجاً، والأرخص سعراً، فما هو حظ الأجيال المقبلة من خريجينا في البقاء داخل سوق العمل الذي يتجه يوماً بعد يوم للاعتماد على لغة عالمية؟

الإجابة عن هذه الأسئلة تسير باتجاهين حسب وجهة نظري، الأول هو انتشار التعليم الخاص عندنا من المدرسة إلى الجامعة، وتتزايد نسبته في البلاد باستمرار، وتتزايد كذلك نسبة قطاعات عديدة من المجتمع تقول إن التعليم الرسمي بات (متخلفاً) وأن القطاع الخاص رغم أنه متخلف أيضاً إلا أنه أكثر قدرة على التكيف والملاءمة وبالتالي المنافسة، بما يضمن للخريج فرصاً أكبر في الحصول على عمل أو وظيفة.. والاتجاه الثاني هو المدارس والجامعات الحكومية التي يتراجع دورها سواء من حيث الكمية أو النوعية.. لقد أصبح المستوى العلمي لهذا القطاع الحكومي متدنّياً جداً، بحيث أصبح التعليم عندنا من حيث التقييم العالمي في الدرجات المتخلفة كثيراً.

وهنا لابد من التأكيد أن التعليم هو ثروة الأمم، وأن مؤسسات التعليم هي ساحات المعارك للقرن الحادي والعشرين، وأن مسألة التعليم لا يمكن أيضاً فصلها عن الأمن القومي لأي أمة. إن المدرسة هي مخفر الحدود والجامعة هي الثكنة. إن ما يميز العالم الصناعي عنا هو أن الأول ينفق على التعليم والأبحاث أضعاف ما ينفقه على مسائل أخرى، بينما ما يحدث عندنا هو العكس تماماً.

لا يمكن استثناء التعليم وعزله عن عصر ثورة الاتصالات والمواصلات أبداً. وكم نحن بحاجة إلى دخول العصر، ولن يتأتى لنا ذلك إلا من خلال التعليم، الذي لا يمكن أن يرتقي عندنا إلا من خلال إعادة النظر بمناهج التعليم وطرقها، التي أصبحت بالية، وعفا عليها الزمن.

إن الاهتمام بالتعليم هو اهتمام بالمستقبل، ولذلك يجب ألّا يسمح للفساد والمحسوبيات والرشوة والتمييز أن تطرق أبوابه.

إنها مسؤولية المجتمع كله والشعب بأسره.. إنه مستقبلنا، هذا المستقبل الذي يتقرر في الجامعات وساحات المدارس وليس في أي مكان آخر.. وفي نهاية المطاف يمكن التأكيد أنه لا يمكن الفصل بين التعليم وأمننا الوطني، وأن المرتزقة ليسوا هم الأصلح للدفاع عن هذا الأمن.

العدد 1105 - 01/5/2024