في ذكرى رحيل المبدع محمود درويش (٩ آب ٢٠٠٨)

فادي الياس نصار:

بين رصاصتين:

لأن النخيل عندنا أهمّ من الإنسان..

ولأن البحر غالباً أشد زرقة في قصائده..

والسماء أوسع..

وصوته من بيت لحم الى الناصرة..

لذلك تركنا.

ذهب باتجاه الكمنجات إلى دمشق المتيّمة بالقمر.

حاملاً في شرايينه: بيروت النجمة والطلقة والعاصفة الحمراء.

تركنا، نحن الخونة الذين سافرنا بجوازات سفر عليها ختم العبودية.

تركنا لأنه أكبر منا جميعاً في ريتا المتوقدة أبداً فيه.

تركنا، بين اللد وعكا، نبكي ريشة غسان كنفاني.

تركنا وترك لنا كلمات متقاطعة بألوان الكوفية عن الوطن.

لم تنجب أمٌّ في الكون قلباً بعمق قلبه.

فليكن لك ما شئت يا جرح المدينة

أنت يا لوحة برقٍ في ليالينا الحزينة.

 

محمود 2

 حبّة الحنطة في قلبي.

 لا للرثاء فيك.

لا للكلام المباح عنك.

لا للخنادق والدروع وكل المعارك والحروب.

لا للشعر والشعراء.

لا لكل لا، ولكل من يقول نعم.

لا للسماء لا للأرض

لا للنساء لا لكل رجال العرب.

لا للحب الدفين والمشاعر الجياشة.

لا لكل شيء

إن لم يكن فيه نفحة من (أحمد العربي).

ألم يكُ نشيد الكمنجات

 وأندلس وشام.

بل هو صهيل الخيل على مشارف القدس.

ونحيب حاملات الطيب الى مسيح يافا.

هو نرجس على شاطئ طروادة، وما من حصان ولا فرسان.

 

فراشة الرخام.

مخيماً ينمو فينجب زعتراً وياسمين.

آهٍ، كم كان يحب الياسمين!

مات، لأنه ليس منا، ولم نعرف أن نحبه.

مات، وترك شعره وفكره، الدافئين ونظرته الحنونة.

لن نترك الخندق.. حتى يمرّ الليل

بيروت للمطلق.. وعيوننا، اليوم، في الرمل.

لن تترك خنادق روحنا، وسينبت لها ألف ربيع ثوري.

كلما أتى عليها خريف الاستسلام القاتل.

ألف ياسمينة لروحك الهادئة!

 

محمود 3

الرجل الياسمين.

غاب بسبب أشعاره التي كجبال الفكر يا ريتا

وريتا تعلم أن المفكرين قساة قلوب أحياناً كثيرة.

لكنها أحبته وهو مات.

مات لأنه فنان في الحب.

مبدع في علم خفقان القلب للأحبة

ويطير الحمام، يحطّ الحمام، وقد أحبك حتى التعب.

مات لأنه ماركسي متشدّد دون تزمّت، وخارج إطار الأحزاب والمناصبية.

مات لأنه سبقنا بحبه لياسمين تموز ولأنه لم يترك الحصان وحيداً.

وصباحاته كانت فاكهة الأغاني..

والمساء من ذهب.

وكانت حبيبته بداية عائلة الموج العربي.

ودمع العنب الحيفاوي.

محمود رفض أن يتركه إميل توما، فذهب إليه هو.

لأن السهرة ستكون بوجود إدوار سعيد وإميل حبيبي أجمل في حضرة الله.

العدد 1105 - 01/5/2024