لماذا رميتني يا أمي؟!

ريم داود:

طفل رضيع ذو أربعين يوماً، وآخر لم يُتم شهره العاشر بعد، وثالث كُتِبَ بجانبه (“طفل حلال!).

فهل يُميّز هؤلاء بين الحلال والحرام؟ وما هو مفهوم الحلال في تفكير ومعتقدات إنسان يرمي أطفاله أمام المنازل والمستشفيات ودور الإيواء؟

ما الذي يدفع الأمهات للإلقاء بأطفال حديثي الولادة ورميهم في الحاويات أو أمام أبواب المنازل والذهاب وكان شيئا لم يكن؟!

هل هو الفقر، أم أنه ضرب من ضروب السلوك غير السوي؟ أم أن ذلك يعود لأسباب مجتمعية ومعتقدات بالية وجهل دفع بأم للتخلّي عن فلذة كبدها؟

لقد تكرّرت تلك الظاهرة في الآونة الأخيرة بشكل لافت للانتباه، ممّا أثار ضجّة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي دفعت بالكثير من الناشطين لانتقاد تلك الممارسات والسلوكيات ومناهضتها. واللافت في الأمر أن إيجاد الأطفال بالقرب من الجوامع والكنائس ليس بظاهرة جديدة علينا، لكنها زادت عن المألوف بسبب الأوضاع السيئة التي تعيشها البلاد من غلاء وفقر، إضافة إلى المصروف المرتفع للمولود الجديد، لكن ذلك لا يعطي الحق للآباء والأمهات برمي أطفالهم، فالأشخاص غير القادرين على تأمين معيشة الطفل عليهم العمل على عدم قدومه من الأساس.

في حديث جرى بيني وبين إحدى السيدات حول ما نراه مؤخراً من رمي للأطفال في أماكن متفرقة من البلاد، انتابتني موجة عارمة من الضحك والذهول عندما تلفّظت بعبارة كالتالي: (مازال بتعرف حالا ما بدا تربي الولد، ومانا قدرانة تجيبو وتواجه وضعها الراهن، ليش ما عملت إجهاض؟).

فواجهتني بجواب كالتالي: (لا، يي! أعوذ بالله! حرام.. شو إجهاض؟! ربنا رايد للولد يجي!).

فقلت  لها: (وهاد اللي عم يصير شو اسمو؟ حلال! ربنا رضيان بهاد الشي اللي عم يصير؟ هاد الولد ياللي انزت يمكن يطلع مشرد، مجرم، لص، ويمكن إذا كانوا حظاتو حلوين يلاقي حدا يحن عليه وبالنهاية رح يكون كل عمرو عم يعاني من أزمة الترك والفقدان اللي سببولوا ياها أهل غير مسؤولين، واحتمال هاد الشي يعملوا ردة فعل تجاه الآخرين، ونحنا منعرف الأزمات النفسية اللي بيعاني منها أطفال دور الأيتام، لاء يا ريتها عملت إجهاض ولا زتت الولد هيك!).

لم يسعني بعد ذلك الحوار والجدل سوى التمعّن بحال الوعي الذي يمتلكه كثيرون في بلادنا، وكم نحتاج من توجيهات وحملات توعية لإدراك أهمية ومعنى الإنسان والحياة والوجود الإنساني، وخطورة التهاون بمثل هذه الممارسات!

ما ذنب هذا الإنسان أن يحيا مجهول النسب بعيداً عن حضن والديه ورعايتهما ومحبتهما؟

ما الذنب الذي اقترفه ذلك الطفل كي يُرمى بين القمامة وأمام المنازل والمستشفيات؟

أي ذنب ارتكب ذلك الرضيع ليحمل مسؤولية تفوق قدراته وإمكانياته واستطاعته؟

خلاصة القول ليست العبرة في الإنجاب، إنما العبرة في تنشئة إنسان واع، مميّز، مثقف، وسوي نفسياً، واجتماعياً.

العدد 1102 - 03/4/2024