السويد أمام مفترق طرق!

طلال الإمام_ ستوكهولم:

رغم أن الانتخابات التشريعية الدورية في السويد ستجري في شهر أيلول (سبتمبر) 2022، لكن يبدو أن الحملة لكسب أصوات الناخبين بدأت منذ الآن. ويلاحظ المتابع تزايد التصريحات الشعبوية بشكل خاص بين الأحزاب والسياسيين على مختلف المستويات بتواتر لافت. الحديث يدور عن السياسة الداخلية بشكل أساسي، ذلك أن الغالبية العظمى من الأحزاب الممثلة في البرلمان متفقة إلى حد كبير فيما يتعلق بالسياسة الخارجية مع فروقات طفيفة جداً (مثلاً جميعهم يشتركون في جوقة فوبيا روسيا وشيطنتها دون أي كلمة عن جرائم الولايات المتحدة في مختلف بلدان ومناطق العالم).

نعتقد أن الانتخابات القادمة ستكون مفصلية في تاريخ السويد مع مؤشرات تصاعد أسهم حزب ديموقراطيي السويد العنصري والمعادي للأجانب، ليصبح القوة الثانية أو الثالثة في البرلمان. ربما هذا سبب إضافي، لكنه مقلق، لبدء حملة كسب الأصوات.

لكن!

مجمل التصريحات التي أنقلها ادناه كما جاءت على لسان كبار الموظفين والاقتصاديين والسياسيين السويديين تحتاج إلى وقفة خاصة:

أولاً_ تبتعد التصريحات سواء في تفسير سبب المشاكل التي تواجه السويد والسويديين أو طرح الحلول لها، تبتعد عن توجيه الأصابع إلى السبب الرئيسي للمشكلة، ووضع السبب على عاتق الأطراف الأضعف في المجتمع السويدي: مهاجرين أو عاطلين عن العمل مع تزايد الهوة الطبقية في المجتمع السويدي. نراهم لا يتحدثون عن أن سبب البطالة المتزايدة هي سياسة النيوليبرالية الجديدة والخصخصة التي من نتائجها البطالة، التضخم والغلاء والانخراط أكثر فأكثر في سياسة السوق الحر الذي ينعكس في تراجع أو تآكل المنجزات التي حققتها السويد بعد الحرب العالمية الثانية، لدرجة كان يطلق عليها مجتمع الرفاهية الزائدة.

ثانياً_ تسعى هذه التصريحات إلى الإيحاء بأن الجريمة، المخدرات، الدعارة والرشاوي وانتشار أسواق سوداء وموازية في مجال الخدمات والعقارات مرتبطة بالمهاجرين فقط. وهذه التلميحات سيستفيد منها اليمين المتطرف العنصري المعادي للأجانب.. نعم ، هناك بعض الأجانب يقومون بكل ما ذكر أعلاه من جرائم ويجب العمل لقمعها عبر تشديد قوانين العقاب؛ لكن هناك أجانب يساهمون في بناء السويد ونهضتها، يدفعون الضرائب

كأي مواطن آخر..  منهم مهندسون، أطباء، معلمون، رجال أعمال وموظفون في مختلف هيئات الدولة.. لماذا لا يتم التطرق إليهم في أحاديث وتصريحات السياسيين أو في وسائل الإعلام؟!

كيف يمكن فهم اقتراح ترحيل الأجانب الذين يرتكبون جريمة إلى بلدانهم؟ والى أين سيرحّل السويدي الأصيل؟ هل هذا اقتراح عملي ومعقول؟ أ أنه خطاب شعبوي؟ ثم لو تم ترحيل هؤلاء الأجانب هل يعتقد من يقول ذلك أن الجريمة ستختفي من المجتمع؟ لماذا ربط الجريمة بالأجانب؟ من يخدم هذا التوجه؟ هل يعني هذا وضع قانونين واحد للأجانب وآخر للسويديين الأصليين؟ نعم، من المفروض تعديل بعض القوانين التي لم تعد صالحة لمجتمع متعدد الثقافات. من المفروض تشديد العقوبات بحق من يرتكب جريمة بغض النظر عن اللون، الخلفية الإثنية، الدين أو الجنس.

ثالثاً_ بالنسبة لاقتراح تخفيض الأجور للقضاء على البطالة؟ هل هناك تصريح استفزازي كي لا نقول (وقح) أكثر من هذا التصريح؟ عوضاً عن اتباع سياسة توظيف وتأهيل أفضل للأيدي العاملة العاطلة عن العمل وإدخالها سوق العمل.. يطالبون بتخفيض أجورها التي هي بالأصل تتآكل في السنوات الاخيرة بفعل التضخم.. هذا التصريح وغيره هو لصالح رجال الأعمال والرأسماليين الكبار فقط!

أخيراً، وعوضاً عن الإشارة بوضوح إلى المسؤول عن فشل سياسة الاندماج، والمسبب في خلق غيتوات سكنية، يوجهون أصابع الاتهام للأجنبي فقط. وهذه لعمري نصف الحقيقة. نقول وبكل أسف إن سلوك وتصرفات بعض الأجانب في الالتفاف على القوانين، استغلالها، التهرب من دفع الضريبة عبر العمل الأسود، الترويج لأفكار التعصب الديني، المساهمة في الجريمة المنظمة والمخدرات، ممارسة العنف بحق المرأة والطفل وغير ذلك.. إن تصرفات هذا البعض من جهة تلحق ضرراً بجميع الأجانب، ومن جهة أخرى تؤمّن تربة خصبة لنمو النزعات العنصرية ومعاداة الأجانب في المجتمع السويدي.

بودي الإشارة إلى أن السويد ورغم كل ما ذكرناه ما تزال من أفضل الدول الأوربية وأمريكا في سياستها الداخلية من حيث احترام حقوق الفرد، من حيث الضمانات الصحية، الاجتماعية والتعليمية، لكن ثمة مخاوف مشروعة من تراجعها.

وبكلمة، يبدو أن السويد امام خيارات صعبة، فهي بعد أن سارت في نهج الليبرالية الجديدة واقتصاد السوق، أصبحت أمام مفترق تاريخي، وهذا سيتطلب اصطفافات جديدة مع تعاظم الانقسام الطبقي في المجتمع السويدي. مع الأمنية أن تلتقي قوى التغيير الحقيقية من شيوعيين ويساريين ووطنيين حول برنامج عمل مشترك يقطع مع نهج الليبرالية الجديدة المدمر والخصخصة. هذه القوى أمام مسؤولية تاريخية.

 

  • نماذج من التصريحات

أنقل أدناه تصريحات سياسيين، موظفين كبار واقتصاديين سويديين، والحكم لكم:

* اقترح عدد من الخبراء الاقتصاديين في السويد البدء بمعالجة مشكلة البطالة التي أصبحت مزمنة عبر خفض كامل للأجور. ويدعم هذا الاقتراح ديفيس كارد (الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد) الذي يعتقد أن خفض الأجور سيؤدي إلى تشجيع أصحاب العمل على تشغيل المزيد من العاطلين بكلفة منخفضة. لكن هذا اقتراح يرفضه اتحاد عمال السويد.

* صرح رئيس الشرطة الوطنية السويدية أنديرش تورنبرج أن هناك ارتباطاً مستمراً ومتزايداً بين الجريمة والهجرة، وأضاف: (إن النمو المتصاعد في شبكات الجريمة في السويد خلال السنوات الأخيرة يرجع إلى عدة عوامل أهمها: الهجرة، وفشل الاندماج لفئات كبيرة من المهاجرين، بجانب زيادة الطلب على المخدرات داخل السويد وسهولة الحصول عليها بفعل التطور التكنولوجي الذي يساعد على انتشار الجريمة. وذكر أنه (قُتل خلال الفترة بين عامي 2020 و2021 ما يقارب من مئة شخص بالرصاص في السويد). وأضاف أن السويد تضررت من الهجرة الواسعة. أما انتشار الجريمة فسببه ضعف الاندماج الذي جعل المزيد من الشباب من الجيلين الأول والثاني من المهاجرين ينضم لشبكات الجريمة بعد أن فشلوا في إيجاد مكان لهم في المجتمع السويدي).

* أمّا ماغدالينا أندرسون (رئيسة وزراء السويد) فقد ذكرت في مقابلة مع صحيفة(أخبار اليوم_ Dagens Nyheter) يوم الخميس 13/01/2021: (يجب ترحيل المزيد من مرتكبي الجرائم بغض النظر عما إن كانوا يحملون وثائق إقامة سويدية أو لا.. فلا يحق لهم البقاء في السويد.

كما أعلنت الحكومة السويدية أنها تعمل حالياً على تعديل قانون يسمح لتشديد القانون المتعلق بمعاقبة المحكومين بأحكام قضائية في السويد من المهاجرين والأجانب، بحيث يمكن نقل من أُدينوا بارتكاب جرائم في السويد إلى بلدانهم الاصلية لقضاء العقوبة هناك تحت متابعة قانونية من السويد.

 

العدد 1102 - 03/4/2024