انتصار الائتلاف اليساري في تشيلي

د. صياح فرحان عزام:

بتاريخ 19/12/2021 انتخب اليساري التقدمي غابريال بوريك رئيساً لدولة تشيلي، بعد أن حصل على 56٪ من الأصوات، مقابل 44٪ لمنافسه اليميني المتطرف خوسيه أنطونيو كاست، وسيتولى منصبه رسمياً في الحادي عشر من آذار الحالي.

وهكذا يكون الائتلاف اليساري قد حقق نصراً ساحقاً في هذه المواجهة الانتخابية غير المسبوقة، منذ العودة إلى الديمقراطية عام 990، بين مرشحين لديهما مشاريع وتوجهات اجتماعية متعارضة تماماً.

والجدير بالذكر أن بوريك تابع صدور النتائج وسط العاصمة سانتياغو، في حين تابعها منافسه كاست مع معاونيه في أحد الأحياء الراقية في العاصمة.

 

من هو بوريك؟

غابريال بوريك نائب في البرلمان منذ عام 2014، ويقود ائتلافاً يسارياً مع الحزب الاشتراكي، وهو مرشح التغيير والوريث السياسي لحركة 2019 التي طالبت بالمزيد من العدالة الاجتماعية في الدولة الأقل مساواة بين بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي.

لقد وعد بوريك في خطابه الأول بتحقيق المزيد من الحقوق الاجتماعية، وبتفعيل الاقتصاد وحمايته، وبتحسين الرعاية الصحية والمعاشات التقاعدية. وقد رحب كثير من قادة أمريكا اللاتينية بفوز بوريك على منافسه اليميني المتطرف كاست، وأبدوا استعدادهم لتطوير العلاقات مع الحكومة المستقبلية لتشيلي.

أيضاً تعهد بوريك بتعزيز التنمية الخضراء، وإيجاد خمسمئة وظيفة للنساء، وإصدار نظام رعاية صحية وطني، والسعي إلى أن لا يكون هناك تمييز بين الأغنياء والفقراء مرة أخرى. وقال: طريقنا هو السلام، ونحتاج إلى العدالة الاجتماعية وليس للعنف.

أما منافسه كوست فكان يدعو إلى ترك كل شيء على ما هو عليه، وكوست الذي فشل في الانتخابات أمام بوريك، هو شقيق خبير الاقتصاد والسوق الحرة في مدرسة شيكاغو، والذي ترأس البنك المركزي التشيلي خلال حكم الديكتاتور اللواء بينوشيه، الذي أسقط، بدعمٍ أمريكي، حكم الرئيس المنتخب عام 1970 سلفادر أليندي جوسنير، وحكومته الاشتراكية.

وعلى سبيل المثال، تشيلي دولة لاتينية في أمريكا الجنوبية وتقع في المخروط الجنوبي لها، وتعتبر دولة الشاطئ الساحلي، لأن أراضيها على شكل مستطيل في غرب القارة، مساحتها 756٫626 كيلومتر مربع، وعاصمتها سانتياغو، وتحدها من الشمال البيرو، ومن الشرق بوليفيا والأرجنتين، ومن الجنوب والغرب المحيط الهادي، وأعلن قيامها كجمهورية في عام 1818، وشهدت فترة نشوئها حربين طويلتين استمرتا لعدة سنوات مع الجارتين بوليفيا والبيرو. ويقال إن كلمة تشيلي تعني المدى الذي تنتهي عنده اليابسة، أو أقاصي الأرض، فيما يقول البعض إن كلمة تشيلي هي اسم لزعيم قبلي، أي سميت الدولة باسمه، والقول الأول هو المرجح كما يرى العديد من المؤرخين.

بطبيعة الحال، لم تكن الولايات المتحدة مسرورة لفوز بوريك في انتخابات الرئاسة التشيلية هذه، لأنه زعيم يساري ينشد العدالة وتنمية بلاده والقضاء على العنف، وقد سبق لها أن أسقطت عدة حكومات ورؤساء في أكثر من دولة لاتينية، لأنهم وقفوا ضد المصالح الأمريكية في بلادهم، وليس من المستبعد أن تبدأ وضع العراقيل أمام بوريك بسبب ميوله اليسارية من جهة، ولأن واشنطن اعتادت على التدخل في الشؤون الداخلية لدول أمريكا اللاتينية من جهة أخرى، منطلقة من مقولة خطيرة تبناها الرؤساء الأمريكيون وعملوا على تنفيذها بأساليب قذرة وهي: (أن أمريكا اللاتينية يجب أن تبقى مزرعة خلفية للولايات المتحدة الأمريكية، تتصرف فيها كما تشاء على حساب شعوب هذه القارة)، وبالتالي يمكن أن تلجأ واشنطن إلى تدبير انقلاب عسكري يوصل عملاءها إلى قمة السلطة، أو إلى فرض عقوبات اقتصادية على حكومة الرئيس المنتخب بوريك كما فعلت مع فنزويلا وغيرها.

 

العدد 1104 - 24/4/2024