عن الإنسان أتحدث

ريم داود:

خلق الله الإنسان وكرّمه عن سائر المخلوقات، مُسلّطاً إياه على سمك البحر وطير السماء، مُميّزاً بعقل مفكّر ولسان ناطق يمكّنه من التعبير عمّا يجول في باله ويعصر خلجاته. وكهدف للبقاء ورغبة في الاستمرار كان لابدّ للإنسان أن يلجأ للاجتماع مع أفراد نوعه، فتبعاً للدراسات والبحوث التي أُجريت نجد أن الإنسان كائن اجتماعي بالفطرة يسعى خلف الجماعة بهدف تلبية حاجاته ورغباته.

ومع التطور والتقدم الكبيرين والتحوّل الجذري الذي طرأ على العالم بأسره، كان لابدّ من التأكيد على بعض القيم وتعزيزها بالشكل الإيجابي والفعّال، وكمبادرة سبّاقة كعادتها عملت جمعية الأمم المتحدة على تحديد يوم مُخصّص تحت اسم التضامن الإنساني، مُتَّخِذَة من ٢٠ كانون الأول يوماً عالمياً لإحياء هذه الذكرى باعتبار التضامن الإنساني قيمة أساسية من القيم الإيجابية التي ينبغي أن تقوم عليها العلاقات بين الشعوب، وتُعدُّ هذه القيمة مبعثاً أساسياً لقيام الحضارات وبنيان الأمم، كما وأنها تؤثّر بشكل كبير على تحوّل الشعوب من حالة التخلّف إلى حالة الرقي الاجتماعي، السياسي، الاقتصادي والصحي.

أهمية التضامن ضمن المجتمع الواحد: لطالما سمعنا بالمثل الشعبي القائل (الكثرة تغلب الشجاعة) لكن هل حاولنا التعمّق في معنى هذا المثل والبحث في أبعاده محاولين فهم معاني مكنونات هذه الكلمات؟ وهل يمكن أن ينعكس هذا المثل على أهمية التضامن بين الناس ولاسيما في حال الحروب والنزاعات؟ إننا اليوم وللسنة العاشرة على التوالي نعاني هجوماً عالمياً لم يسبق له أن شُنَّ على أمة، لكن الأخطر من ذلك أننا وبكل أسف فقدنا أهم قيمة إيجابية كان لابدّ لها أن تُسعف ضعفنا وتُنجد قلّة حيلتنا، لقد فقدنا تضامننا فيما بيننا، وأصبحنا فاقدين للقيم أو ربما لم نكن نمتلكها منذ البداية!! كيف لشعب أن يقوى على العيش إن كان بعضه يحارب بعضه الآخر؟ لطالما أخافَ تضامن الناس وأثّر في نفوس الأعداء، فعندما يتلاحم أفراد المجتمع ويتكاتفون يصبحون جسداً واحداً لا يستطيع أحد التأثير فيه لا من الداخل ولا الخارج. أمّا عن أهمية التضامن فنجده على الصعيدين الفردي والجماعي متمثلاً في التنمية الإنسانية وتعزيز التواصل بين الناس، المساهمة في تجاوز الكوارث والأزمات والحدِّ من الفقر والجوع والعوز. ونظراً لأهمية المكوّن الإنساني في صنع الحضارات وتطور المجتمعات، لجأ علماء الاجتماع إلى دراسة هذه الظاهرة التي نجدها عند دوركهايم مقسومة إلى تضامن ميكانيكي وآخر عضوي، أما عن الميكانيكي فيقصد به ما يحصل من تضامن بين المجتمعات التقليدية وصغيرة الحجم. أما التضامن العضوي فيقصد به ما يحصل بين أفراد المجتمعات ذات التقدم الكبير. وكخلاصة لما سبق وتأكيد على أهمية التضامن الإنساني كقيمة ضرورية ذات دوافع أساسية للمجتمع والفرد تعمل بتأثير كبير على الصعيد النفسي من تواصل وتعاطف وتنمية إنسانية، كما تعمل على الصعيد السياسي في مواجهة العدوان الخارجي ومقاومة الكوارث والنزاعات، كذلك نجدها تعمل على الصعيد الاقتصادي في مواجهة الفقر والجوع والبطالة فخير أمة من تضامن أبناؤها للحدِّ من هلاكها.

العدد 1104 - 24/4/2024