تبريرات ناقصة وتضخم منفلت والمعاناة تتفاقم

الدكتور سنان علي ديب:

يستمر التضخم ويزيد حجمه على حساب قدرة المواطن المعيشية، وتزداد المعاناة وقساوة الحياة مع قدوم الشتاء وبدء البرد، في ظل وضع مأساوي لسوريي الداخل والشتات، وفي ظل استمرار الجدالات وارتفاع الأصوات المنددة حتى ممن كانوا عنواناً للمدح والمحاباة وتخوين المختلف.

وما زالت وزارة حماية المستهلك تتصدر الإعلام وسط امتعاض المواطنين ومعاناتهم عبر ما توفره من بعض المواد التي تسمى مدعومة، وكل يوم فكرة وآخرها فصل التسجيل على المواد لتصبح فرادى، ويسخر المواطن الوقت والجهد للحصول عليها وهي لا تشكل جزئيات من احتياجاته، وما زالت الوزارة تلحق السوق وتفرض أسعاراً تساعد التجار وأحياناً أغلى من السوق، وما زالت تبريرات تمرير القرارات غير مقنعة ومثبطة وذات تأثير سلبي على المواطن الذي علمته الحرب وزادت خبرته ومعارفه مع معاناته، بالتزامن مع تصريحات وزارة المالية وتبريراتها والكلام المخدر المنوم الذي تعوّدت عليه الأغلبية، والذي يجعل فجوة عدم الثقة تزداد بين المواطن والحكومة. وكيف لا وهو يسمع تلميعاً لضبابية أو سوداوية وسط فوضى أسعار وتضخم منفلت وأجور لا تسد رمقاً صغيراً، والعالم متربص للولوج عبر الثغرات وهو ما جعل الحكومة تشكل لجنة مؤلفة من عدة معاوني وزراء وبرئاسة معاون وزير الإعلام، والغاية منها التعاون والتكامل لمحاولة التهيئة وتلطيف الأجواء وتهيئة البيئة لتمرير القرارات. وحسب رؤيتنا كان لجدالات وتصريحات ومغالطات وزارة حماية المستهلك الدور الاكبر للجوء لهذه اللجنة، وكيف لا وقد سخنت الأجواء وأقلقت وخربطت، وخاصة فيما يخص ما يسمى إيصال الدعم لمستحقيه، والإعلان عن الشرائح المستهدفة وهو ما خلق جدالات وشحن الأجواء، منهم من يستند للواقع ومنهم للدستور، وأخذ هذا الموضوع أغلب الاوقات وتزامن مع فوضى أسعار وتضخيم، وترافق مع ركود تضخمي كبير ومعاناة من فقر وجوع وفاقة تصيب أغلب المواطنين وخاصة أصحاب الأجور والرواتب الحكومية والقطاع الخاص.

وعاد أغلب الأكاديميين والباحثين والمختصين ومتسلقي الاختصاص ليذكّروا بوصفات البنك الدولي البعيدة عن خصوصية الدول والحديث عن رفع الدعم بدأ في 2007 ولو بقبعات جديدة..

فمن المؤكد أن عدم الخوض بالتضخم المخيف لا يعني عدم وجوده وتجاوزه حدود تحمّل المواطن وصحية الظروف والمؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، فمؤشرات التضخم هي نسبة مئوية لسلسلة الاحتياجات الضرورية للجسم من سلة غذائية (2400 سعرة حرارية) متكاملة متوازنة، إضافة إلى اللباس، التعليم، الصحة، أجور النقل، التدفئة، تكاليف سكن وغيرها، وفي ظروف الحرب المعقدة والثغرات زادت تكلفة الغذاء ووصلت لحوالي 60 بالمئة من هذه الاحتياجات، ولكنها زادت نظراً لفوضى الأسعار، وقد وضعت قوانين وخاصة ٨ لضبطها، ولكنها نامت بالأدراج كفرصة أخيرة! وكيف لا والظروف مهيأة والكل منضبط، هذا التنويم ترافق ببرمجة الشعب إنفاقه على الضرورات القصوى، واليوم الجزء الاكبر من الشعب لا يصل إلى نصف 2400 سعرة من تلك السلة الغذائية، وكلنا يعلم قبل الحرب 5 أشخاص كانوا بحاجة إلى 30 ألف ليرة شهرياً من غذاء لباس سكن نقل، أما الآن فهم بحاجة إلى مليون ونصف مليون ليرة وأكثر ليكونوا على حدود ما يسمى الطبقة الوسطى المندثرة. وكيف لا فالتضخم منفلت ولا يوجد محاولات لضبطه وتخفيفه، رغم غياب الأرقام الرسمية لكن المواطن يشعر به، فوضى عارمة بلا ضوابط فقط عقوبات منتقاة بغية ذرّ الرماد في العيون لا تحمل أهدافاً وغايات وعدم وضع حد لهذا التضخم.

وكلنا يعلم أن البنك الدولي يفرض وصفات على الدول تتضمن (ما يسمى رفع الدعم، التقشف، والخصخصة رفع الضرائب والرسوم وحرية التجارة وإضعاف سيطرة الحكومات وقيادة الاقتصاد تحت ما يسمى وصفات ليبرالية تكون هذه الوصفات بعيدة عن خصوصيات البلدان ولا تراعي ظروفها، فالبنى الاجتماعية والاقتصادية تختلف من دولة لأخرى ومؤشرات التنمية ومراحلها ولا تتضمن بل الأخطر على هذه الوصفات الاحتكار ومنع التنافسية والتشاركية.

وضمن هذا السياق بدأ الحديث عن رفع الدعم بدأ منذ 2007، علما أن مؤشرات تلك الفترة تختلف عن الآن، فقد كنا نموذجاً يتفوق على كل الدول المحيطة، فميزان تجاري رابح، احتياطي نقدي 25 مليار دولار، والبنى التحتية كانت تضاهي الدول الغنية وتماسك وتمازج اجتماعي

وهذه الوصفات أدوات البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، لتقوم بحرب بالنيابة عن الامبريالية للتحكم باقتصاد كل الدول.

– الظروف الحالية غير ظروف 2007 حين كان هناك حديث عن رفع الدعم، والآن نعاني ندرة الموارد وحاجة للتقنين وتخفيض الطلب، ولكن التصريحات أساليب وظروف التطبيق والخوض الإعلامي بها تستفز المواطن، وهناك ضعف بتنفيذ الإجراءات الحكومية.

مؤكد الظروف صعبة ولكن ضمنها هناك ثغرات وتباطؤ وتجزئة والكل يسأل أين الإجراءات المقابلة لسد الفجوة المعيشية ويتساءل قد تكون بعض الحاجات صحيحة وضرورية ولكن ليس بهذا التوقيت.

زيادة الأجور وزيادة المساعدات وعدالة توزيعها وزيادة دور المنظمات والنقابات وعودتها ببعض المزايا والعطاءات المتممة وكذلك الأحزاب كجسر للتعيينات والمراقبة والمتابعة أصبحت ضرورة حتمية.

وليعلم الجميع أن دماء الشهداء وتضحيات وإنجازات المؤسسة العسكرية وصبر وصمود من اختار البقاء لن يقبل أن تذهب هباء او ضحية أهواء شخصية وتفردات وأحلام غير واقعية.

 

العدد 1102 - 03/4/2024