حقوقٌ تغتالها رياح الفساد
إيناس ونوس:
من حقِّ الإنسان أن يعيش بكرامةٍ وحريةٍ، حاصلاً على كلِّ ما يضمن له حياةً مستقلَّةً رغيدةً تتوازى فيها حقوقه الحاصل عليها مع واجباته المفروضة عليه، تحت سقف دستور يصون له مكانته وقيمته كمواطن.
هذا تعبيرٌ جدُّ مختصرٌ عن اتفاقية حقوق الإنسان التي اعترفت بها جميع المنظَّمات الدَّولية مخصَّصةً يوم العاشر من كانون الأول من كلِّ عامٍ يوماً خاصَّاً للاحتفال بحقوق الإنسان، يسبقه اليوم العالمي لمكافحة الفساد، الذي يصادف التَّاسع من الشهر ذاته من كلِّ عام، فهل كان هذا الرَّبط بين هذين اليومين متعمَّداً من قبل تلك المنظَّمات، بحيث أنَّها ترغب بالقول إنَّ الفساد المستشري في أيِّ بلدٍ يقضي بالضَّرورة على حقِّ أيِّ مواطن، وهذا ما يؤكِّد أنَّ الحدثين مرتبطان بشكلٍ أو بآخر في حياة كلِّ مجتمع.
صادقت بلدانٌ عدَّةٌ منها سورية على كلِّ تلك الاتِّفاقيات، مؤكِّدةً أنَّها ستصون كلَّ ما ذكر فيها، وستعمل على تحقيقه وجعله واقعاً ملموساً لتحيا البشرية بسلامٍ على هذا الكوكب، إلَّا أنَّ ما يجري في غالبية بلدان العالم يعبِّر عن العكس تماماً، فحين نرى الطَّوابير البشرية تتكدَّس يوماً بعد آخر سواء من أجل الخبز أو الماء أو المازوت أو الدَّواء أو غير ذلك من مستلزمات الحياة،
وحين يمرض الإنسان صغيراً كان أم كبيراً ويصل إلى الموت لأنَّه عاجزٌ عن العلاج،
وحين يغدو التَّعليم والطِّبُّ وأيُّ مجالٍ آخر من مجالات الحياة بلا فائدةٍ تُرجى، لأنَّه خاضعٌ للرّشا والعلاقات الخاصَّة ولأمزجة القائمين عليه،
وحين يمسي القانون ملجأً للظَّالم على المظلوم،
يتبادر إلى الذِّهن مباشرةً تساؤلٌ محقٌّ ومؤلمٌ في الوقت ذاته: أين نحن من كلِّ هذه الاتِّفاقيات على أرض الواقع؟؟
للأسف، الجواب واضحٌ في كلِّ الصُّور التي سبق ذكرها وغيرها كثير، فهي غيضٌ من فيض ما يعيشه إنساننا اليوم، ذلك أن الفساد المتغلغل في كلِّ مفاصل حياتنا قد قضى على كلِّ حقٍّ من حقوقنا، وحوَّلنا لمجرَّد عبيدٍ يجب علينا القيام بواجباتنا فقط لصالح حفنةٍ قليلةٍ من الأشخاص المتنفِّذين غير الآبهين بما نحن عليه، سواء عشنا أم متنا.
فلتسقط كلُّ الاتِّفاقيات أمام طفلٍ يستوطن حاوية القمامة ليجد له ما يسدُّ رمقه وربَّما ليكون له موئلاً من بردٍ أو حرّ!
وأمام إنسانٍ يمتلك أكبر الشَّهادات والخبرات ويسعى لوظيفةٍ محترمةٍ، فيُحرم منها لوجود تلك الفتاة الجميلة التي خدمها جمالها، فاستحقَّت تلك الوظيفة بدلاً عنه.
وأمام دموع كلِّ أمٍّ أو أبٍ دفع أبناءه بكلتا يديه لمغادرة البلاد كي يحقِّقوا أحلامهم بعيداً، فقط، لأنَّ وطنهم يحاول وأدهم.
فلتسقط كلُّ المعاهدات والمواثيق الدَّولية إن هي بقيت حبراً على ورق ولم تستطع أن تكون قادرةً على تحويل حروفها إلى واقع حيِّ.