كمن يبحث عن إبرة في كومة قش

وعد حسون نصر:

حقوقنا بشكل عام نحن السوريين في ظلّ كومة من الفساد طالت كل شيء حولنا، طالت التعليم حتى باتت مدارسنا بؤرة للفساد، ولعلَّ كلمة تربية غُيّبَتْ من مكانها قبل كلمة تعليم، فلم نعد نرى من التربية والتعليم إلاّ جيلاً لا همّ له غير اللعب وإلقاء الشتائم، وحتى اتباع أساليب غير لائقة كالتدخين وما شابه، كذلك أصبحنا نرى شجارات الطلاب فيما بينهم كأنها حلبة مصارعة أو ساحة قتال تستخدم فيها كافة وسائل الضرب (من سكاكين وعصي وغيرها) هذا العنف الشديد لدى الأطفال، وعدم قدرة المدرسين والإداريين على ضبطه والسيطرة عليه تحت ذرائع كثيرة، تبدأ أن في الصف كمّاً هائلاً من الطلاب وخاصةً بعد الحرب والتهجير، والمُدرّس ليس بمضطر أن يشغل تفكيره بالجميع، هو فقط مسؤول عن إعطاء الدرس خلال حصته، ولا همّ له إن كان الطلاب جميعهم قد فهموا الدرس أم لا، كذلك الراتب القليل الذي جعله البعض من المدرسين ذريعة لتغطية فشلهم في تطوير العملية التربوية وضبطها، هذا كله أبعد أطفالنا عن نيل حقهم في التعليم وفي ممارسة نشاطاتهم ومواهبهم داخل مجمعهم التربوي والعلمي.

وإذا ما ذهبنا إلى الوزارات الأخرى ولتكن وزارة الكهرباء في مقدمتها.. الكهرباء التي باتت حلماً لكل سوري على الرغم من أنها حق من حقوقه، وهي خدمة مأجورة يدفع فاتورتها كل مواطن على أرض الوطن، وهي تغيب وتنقطع تحت مبررات كثير لعلّ أولها الحرب، وتُتحفنا كل عام وزارة الكهرباء بحججها لحجب الكهرباء عنّا لساعات طويلة وأحياناً لأيام، فهل يُعقل أن نُحرم من هذا الحق الاساسي، لاسيما أن الكهرباء عصب حياتنا جميعاً، ففي كل مقوم من مقومات الحياة للكهرباء الحصة الأكبر، فأين حقنا منها نحن المواطنين؟ لا حق لنا، فالفساد الذي خلّفه المسؤولون عن هذا القطاع وورثه كل من جاء بعدهم غيّب عنّا حقنا في النور، ولا ننسى النفط ومشتقاته إذ باتت عظامنا ترتعش برداً لمجرّد اقترابنا من الشتاء، لأننا على يقين تام أنه يشبه الشتاء في الأعوام الماضية، فلا رائحة للدفء تقطن داخل جدران منازلنا مع غياب المازوت، ولا حتى رائحة للطعام تخرج من نوافذ مطابخنا مع غياب الغاز، فأين حقنا من بترول بلادنا ومشتقاته؟ بصريح العبارة غاب حقنا مع غياب ضمير المسؤول في قطاع النفط، الاتصالات، حتى القطاع الطبي وغلاء الدواء أو احتكاره بحجّة فقدان مواده الأساسية، وبالتالي استغلال حاجة المرضى له وخاصةً إذا كان المرض مزمناً ودواءه يجب أن يؤخذ باستمرار، أليس هذا فساداً واتجاراً بأرواح الناس؟ ولا ننسى المشافي العامة وما يقطن بين أقسامها من استغلال للمهنة الإنسانية واستغلال حاجة الناس للمعالجة المجانية بسبب الضعف المادي، فهل يُعقل أن يركن جانباً مريض الكلية الذي هو بأشدّ الحاجة للغسيل لتمرير شخص آخر من أقارب مدير أو موظف داخل المشفى؟ أليس هذا فساداً وقمة الإذلال للإنسانية؟

للأسف، الحرب باتت شمّاعة تُعلّق عليها هفوات المسؤولين وتقصيرهم، حتى العقوبات استُغِلَّتْ من كبار التجّار لنكون نحن ولا أحد غيرنا ضحية هذه العقوبات، ونُستغل بلقمة عيشنا ودوائنا وحتى دفئنا وتعليم أولادنا، المشكلة لم تعد في حرب أو عقوبة، المشكلة باتت أزمة أخلاق استغلها البعض وحرمنا على غرارها من حقوقنا، فتجردنا من إنسانيتنا، أصبحنا آلات تعمل ليلاً ونهاراً لصالح بعض البشر مقابل ضرائب متعددة ومتنوعة فُرضت علينا، فلا حقوق لنا نحن السوريين ما دمنا محاطين بكومة كبيرة من الفساد فرضها علينا مسؤولون ليبقوا هم خارج الكومة في أمان، ونغرق نحن أكثر فأكثر برسوم وضرائب ومدفوعات للسكن والأمل والدفء والاتصال وحتى العلاج، إذاً لابدّ لنا أن نُعالج الضمائر فهي ترياق الشفاء من الفساد.

العدد 1104 - 24/4/2024