عود على بدء

الدكتور اليان مسعد:

من قبل سنوات الأزمة الراهنة وخلالها تخلّق لدينا انطباع سلبي يتمثل في تخلي البعض عن التوجهات التنويرية والتقدمية للجمهورية ولنهج الدولة السورية، إذ يمكن أن يرى المشهد يتحول بتواتر ويتبلور بصورة غير مفهومة، وكأن هناك لقاء عاماً يحدث بين الإسلامويين مع القوميين على كثير من الملفات التي تمت مناقشتها في كل المحافل بما فيها مجلس الشعب، وقد يراه البعض يتعارض مع سلم القيم السائدة في الدولة السورية العميقة، فعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن تصنيف حال وضع المناهج التربوية والثقافة القومية والإعلام والفن في هذا المضمار ليلحق الاقتصادن وحين المطالبة باعتماد مادة التربية الأخلاقية بدلاً من التربية الدينية، فإن الهدف كان يكمن في بعث النقاش المجتمعي ولفت نظر القوى الحية من التقدميين والتنويريين لعدة مسائل استراتيجية مبدئية، مثلاً:

ضرورة إعادة اللحمة والوحدة الوطنية لمقابلة ما يحدث من ريب على مستوى القاع المظلم لأسباب مشاكلنا بعامة ومشكلتنا وأزمتنا الوطنية العميقة الحالية، بخاصة أن القطبة الخلفية المخفية وبطانة التراجع الأخلاقي حين التفكير بالشأن العام كما نراه حالياً على صعيد ترشيد الدعم الذي أدى إلى صدع عميق في الوحدة الوطنية وتلاقي ذلك وتزامنه مع مؤامرة دول الجوار مع قوة عظمى علينا أدت فيما أدت اليه إلى مخاطر انزلاق الوضع سياسياً وجغرافياً إلى ما يشبه صورة الانتداب المناطقي وعزل بعضها عن المركز واقصد أمريكا وتركيا في الشمالين الشرقي والغربي، وهذا ما يجب قتاله ومنعه بأي ثمن، وخوف حلفائنا علينا من نجاح المخططات التقسيمية وتدخلهم الايجابي له ما يبرره

وطرحنا الحوار مع الواجهة السياسية للنظام واعني الجبهة الوطنية التقدمية التي دعونا له منذ 2011 حين قاطعها الجميع ولا نزال ندعوا له لا يلغي حقنا بنقد خيارات بعض مكوناتها بالتحالف مع تيار الاسلام السياسي والمناهج التربوية والسيطرة على الاعلام فهي المقدم والدفعة على الحساب واما المؤخر فاكبر بكثير واخشى ان يكون راس العلمانيين والتقدميين انفسهم

وعليه يفترض بكل القوى الوطنية الديمقراطية والتنويرية وبالشخصيات ذوي الإرادات الحرة والنخب والتكنوقراط أن تعمل معاً بسرعة على إعادة إحياء كل ما من شانه استعادة الوحدة المجتمعية الوطنية الخلاقة للسوريين المنتجين من الكتلة التاريخية المغيبة، وإعادة الحوار مع الجبهة الوطنية التقدمية لبحث خيارات سورية الجديدة، والجواب على ما نتهرب من الجواب عليه منذ الاستقلال مثل: من هي سورية؟ من هم السوريون؟ وما هي هوية الدولة السورية؟ وما هي هوية النظام المطلوبة بسياق المراجعة الدستورية؟ وما الهوية الاقتصادية والثقافية والقيمية للمجتمع؟ وإن شعبنا قد تعب من الشعارات الفارغة والإيديولوجيات المستهلكة، فالشعارات التي يجب أن نعتمدها ونعيد إحياءها هي قيم الجمهورية التي لم تراعَ بما أراه واقعياً من تخبيص لاقتصاديي هذه اللجنة الاقتصادية.

وللذكرى إن المادة 33 الفقرة 3 من الدستور السوري لعام 2012 تنص على: (المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم).

وخلال مسيرة رفع الدعم أتساءل: أين الحرية والمساواة والأخوة؟ وأين ممارسات الحوكمة والمواطنة المتساوية والعدالة؟ وما الذي بقي من التنمية وإعادة اللحمة الوطنية ما بعد الأزمة؟!

ولابد هنا من إعادة الاعتبار لما تعنيه الحوكمة: من انتخابات محلية نزيهة تدير مشاكلنا اليومية والبيئية وتؤمن لا مركزية إدارية ومحلية معقولة، وتفتح طرق اتصال الشعب العامل بالدولة دون وسطاء، ولابد هنا من إعادة تأهيل هذا التشبيك بين السوريين ودولة المؤسسات حيث الكفاءة قبل الولاء وترميم الإدارة المحلية والقانون 107 بشكل يوصلنا إلى لامركزية إدارية تفيد التنمية ولا تعزل المحافظات عن المركز.

وأما المواطنة فتعني بالنسبة لنا المساواة المطلقة واحترام العقائد وحرية الضمير وقداسة حقوق الإنسان، بإصلاح دستوري توافقنا عليه في سوتشي في المؤتمر الوطني للحوار، الذي آن أوان نقله لدمشق والذهاب لعقد اجتماعي مقدس حيث الحرية الشخصية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بما يؤدي لتنمية شعور المواطن بملكيته للوطن. وعبر العدالة التي تعني: دولة القانون واستقلال القضاء وتجريم القمع والتعذيب والشفافية والمشاركة. وأين المحكمة الدستورية وقناعاتها بما تفعله وفعلته مؤخراً اللجنة الاقتصادية وما مدى دستوريته؟

وأين التنمية التي اتفقنا أنها تعني: لامركزية إدارية موسعة تضمن تماسك الوطن، ولا نقبل بكيان مختلق في الشمالين الغربي والشرقي يستولي على موارد الوطن ويشرع حدوده للإرهاب، بل تنمية اقتصادية متوازنة ومكافحة الفساد واستثمارات غالبيتها موجة للإنتاج وتطوير البنية التحتية ولا توجهه للبيع وتخصيص مقدرات وحاجات المواطن، وآخرها التي حولت وزارات مثل حماية المستهلك إلى شريك مضارب للسوق السوداء.

وننتظر من الحكم الراشد والرشيد أن يطبق هذه الشعارات أعلاه ولو بشكل متدرج وواقعي، فالحمل ثقيل وهو الضمانة لاستمرار الوطن ووحدته، والمصالحات بدير الزور زهرة بهذه الصحراء ويجب ألا تبقى وحيدة وتذبل، فكلنا بحاجة للمصالحة والدخول بحوار وطني معمق، وأزمة الانقسام حول الدعم تشير إلى انقطاع تام للحوار بين الشركاء الاجتماعيين، وهم المواطن وقوى الإنتاج الحية وشعبها العامل والحكومة، ولكن محاولاتها المستمرة لإضعاف الطبقة الوسطى وقيمها التقدمية محرك ومهندس أي إعمار أو تنمية بعد أن تم إفقار الطبقة العاملة تماماً لا يبشر بالخير. وإننا نطرح موضوع الدعم كما نظرنا له منذ 2012 بعد تفجر التمرد والانقسام الوطني على الشكل التالي، وناقشناه مبكراً وطرحنا المشكل، وهذه الفقرة التي تتكلم عن الاقتصاد لا تزال تحتفظ براهنيتها، وقلنا وأقتبس: (إن دولة المساعدة والرعاية سيئة التنفيذ ماتت وسندفنها معاً، وعلينا القيام بترسيخ دولة الرعاية الحقيقية، دولة العدالة والاستحقاق والجدارة التي تساوي بين المواطنين، لكل حسب جهده والدعم حسب حاجته، تحت ظل سيادة القانون بعد أن تؤمن الدولة الحد الأدنى والمتساوي من الصحة والتعليم والثقافة وتكافؤ الفرص دون تمييز، وستنتهي دولة الشرطي الذي يحابي أصحاب الثروات كما تظهر أنظمة الربيع العربي، وكذلك بسطار الدولة القمعية التي تؤمم الثروة والإنسان والعقل، ولن تكون دولة المطاوعة الذين يحلمون بتطبيق قوانين لم تعد من هذا العالم ولهذا العالم، وإن دولة الرعاية والمساعدة السابقة بأنظمتها الضريبية المسطحة مع سوء التطبيق وانعدام الرقابة وفساد القضاء أدت لإنهاء روح المبادرة ونمو الكسل وانكفاء الابتكار والاتكال على الدولة أنشأ لدينا طبقة الكسالى والمنتفعين والفاسدين والطفيلين والفاشلين الذين شكلوا نخباً تدافع عن بعضها ضد المجتمع والمواطن المتفوق والمبدع والشريف والخلاق والمجتهد، لذلك سنسعى لإقامة جبهة سياسية عريضة لتطبيق ما سبق وإعادة انتاج النظام والدولة العلمانية الديموقراطية). انتهى الاقتباس.

وإن الحوار الوطني الحر حول مشاكلنا دون عقد سيولد الأفكار والبرامج المناسبة، والإشارة بالختام مفيدة الى أن استعصاءاتنا وأزماتنا متشابهة من عمان وبغداد إلى دمشق وبيروت، فالكل بالظلام ومتمترس وراء الحدود الوهمية بيننا، فهذه الحدود هي قيصر وعقوباته، فلتدمر هذه الحدود وترفع هذه الحواجز ولندع الشعب يتنفس تجارة ونفطاً وغازاً وصناعة وتنقلاً للبضائع وأفكاراً فمستقبلنا في خطر.

هيّا إلى مؤتمر وطني عام بدمشق وجبهة وطنية تقدمية ديموقراطية عريضة.

وللحديث بقية

 

  • رئيس وفد معارضة الداخل إلى مفاوضات السلام بجنيف ومنسق الجبهة الديموقراطية العلمانية السورية المعارضة
العدد 1102 - 03/4/2024