نفوذ المال هو سلطة القوانين
وعد حسون نصر:
في العصور القديمة كان الشعب مقسماً لأربع طبقات: (طبقة كبار الملّاكين، الطبقة الوسطى من تجّار وفلاحين، طبقة عامة الشعب، وطبقة البؤساء وهم العبيد)، وقد كانت أوضاع طبقة العبيد هي الأكثر سوءاً، فهي تُباع وتُشرى وكأن أفرادها سلع، بل السلعة والمقتنيات أهم وأثمن عند أصحاب النفوذ من هذه الطبقة البائسة. وفي عصر الثورات والنهوض وفي سائر جهات الغرب والشرق قامت حركات مناهضة تطالب بإطلاق سراح العبيد والمساواة بين أفراد المجتمع، وكلما تقدم المجتمع وازداد العلم ببن صفوفه، لاحظنا اختفاء ظاهرة العبيد واستملاك أفراد جنس البشر من مختلف الشرائح والأعراق والانتماءات لبعضهم البعض. لكن من قال إن ظاهرة احتكار العبيد اختفت من مجتمعنا في عصرنا الحديث هذا؟! إنها لم تختفِ، لكنها تحوّلت إلى صورة أكثر (رقياً) لاستغلال البشر بعضهم للبعض الآخر من خلال مسمّيات مختلفة: (مدبّرة منزل، مقيمة لدى أسرة مُسنّة، مربيّة أطفال، مشرفة طبخ في منزل أحد الشخصيات) وهؤلاء الأشخاص وتسمياتهم المختلفة هم مجرد عبيد بألقاب أكثر (رقيّاً) عند أسيادهم، إذ بمجرد جلوس أصحاب المنزل على الأريكة وهناك شخص يتولى خدمتهم من طعام وشراب وتدريس وإطعام وحمام أولادهم بات الأمر واضحاً: (سيد وعبد) وإن اختلفت الصورة والتسمية والزمان والمكان والعصور، حتى في مكان العمل كثيرون يستغلون المنصب في عملهم فيكون واحدهم السيد على من أقلّ منه مكانة وتبدأ الصراعات الوظيفية أو ما يُسمّى بالعامية (طق البراغي) واستغلال النفوذ لإذلال من هو أقلُّ منزلة في مكتب العمل أو القسم. أيضاً المعامل والشركات الخاصة واستغلال أربابها للضائقة المادية لدى عمالهم وقلّة العمل وانتشار البطالة وخاصة بعد سنوات الحرب التي لم تنتهِ بعد، إذ تفرض على العامل العمل لساعات طويل دون تحديد طبيعة العمل أو عمل واحد فقط ضمن اختصاص معين وبأجر قليل جداً تحت عبارة (إذا لم يعجبك هذا الشيء ابحث عن الأفضل) وكأنه تعجيز في زمن انتشار البطالة والجهل بالصورة الكبيرة بين الناس بسبب الحرب وما خلفته من دمار طال كل جوانب الحياة.
فمن قال إننا تخلّصنا من ظاهرة الرق والعبيد في زمننا هذا؟ ومن قال إننا أصبحنا على مستوى عالٍ من الرقي والحضارة في إنسانيتنا؟ فما دام هناك استغلال للنفوذ سواء في المناصب السياسية والعسكرية والثقافية والاجتماعية والمالية فهناك سيد وعبد مع اختلاف الزمن والتسمية، وما دام العامل في المعمل يقول (حاضر) رغم أجره القليل فهناك عبد وسيد، وما دام هناك مدبّرة المنزل ومربيّة الأطفال تقول لسيدة المنزل (حاضر مدام) فهناك عبد وسيد، لذلك اختلفت الأزمان والأساليب ولم يختلف الجوهر بل ارتقى قليلاً لنوهم أنفسنا أننا خرجنا بنهضة وحطمنا مجتمع الأرباب في المعابد والأسياد في القصور، وتحول اللفظ من عبد إلى مدبّر منزل ومنسّق حدائق، من خادمة إلى مدبّرة منزل وطبّاخة، ومن سيدي إلى أستاذ، لكن الأسلوب واحد مع اختلاف (إذا تكرّمت) بدل (قم)، و(حاضر) بدل (أمرك مولاي!).