إن لم تملك ثلثي يومك فأنت عبد!
محمد نذير جبر:
للرق أشكالٌ متعددة تطورت عبر العصور، وأنا أرى الرق كما قال عنه الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه: (إن لم تملك ثلثي يومك فأنت عبد).
في ظلّ الحصار الاقتصادي على سورية والأزمة الاقتصادية وغلاء الأسعار، كان أمام الموظف على سبيل المثال خياران أحلاهما مرّ، فإمّا أن يمارس دور الفاسد فيرتشي ويسرق من المال العام، أو يعمل عملاً ثانياً بعد وظيفته التي هي غالباً ثماني ساعات يومياً. أمّا اليوم فلم يعد هناك خيارات سوى أن يكون فاسداً فلا وظيفتان تكفيان ولا ثلاث وظائف.
وبينما يتجه العالم منذ قرابة القرن نحو مقولات مثل (أكون أو لا أكون) في المجالات المعرفية وتحقيق الذات والطموحات، لم يترك الغرب الاستعماري وحثالة الداخل من حيتان الفساد للمواطن السوري سوى قول: أأكون فاسداً أم عبداً؟! قياساً إلى مقولة نيتشه.
في واقع الحال نجد كل المواطنين حول العالم من الذين يعملون في أكثر من وظيفة إنما يفعلون ذلك لحرق المراحل والوصول إلى درجات أعلى من الرفاهية أو تكوين رأس مال والانتقال إلى إقامة مشاريع صغيرة خاصة بهم، ويبقى الكادحون العرب وحدهم من تحترق سنوات عمرهم، بينما الازدهار والعمران والرفاه يبقى حكراً على الفاسدين. فالشعوب العربية عند كل حدث تزداد فقراً وحاشية كل نظام تزداد تخمة، ومن قبيل المفارقة تزداد نفوذاً بحيث تمتلك صكوك الغفران والتخوين بينما هي (كعب أخيل) في بلداننا العربية ذات الثروات والشعوب الفتية النشيطة!
إن الكدح والعمل طوال النهار دون تحقيق مكتسبات أو قدرة على الادخار لدى الفرد لم يكن يوماً أمراً قائماً إلاّ في عهود العبودية حيث ثمرة الجهد تذهب إلى الغير. وبالعودة للحديث عن سورية صار على كل فرد أن يعمل عملين أو ثلاثة ويضاعف عدد ساعات عمله على مدار السنة دون أي عطلة أسبوعية أو سنوية كي يقتات هو وأطفاله، وأضحت فكرة أن (يشتغل بحقّ أكلو) حلماً بسبب غلاء الطعام. كدحٌ وكدح دون أن يُحسّن عمل السوري وضعه الاجتماعي فقد بات امتلاك دراجة هوائية أو قبو أو سقيفة حُلماً مستحيلاً، طبعاً لأنه من البديهي أنه لا يمكن الحديث عن امتلاك سيارة أو منزل في الضواحي، فهذا ما بعد المُحال!! وحتى لو أضاف الفرد إلى يومه يومين وكافح في عمله، فلن ينال أبسط مقومات الحياة كحقه في سكن مستقل.
كان الشاب السوري مضطرّاً للدراسة والعمل، واليوم أضحى مضطراً بعد اكمال مرحلة التعليم الإعدادي أن يترك الدراسة ويتجه نحو السوق ليعمل عند أحد التجّار أو الصناعيين لساعات طويلة مُستغلاً ومهمّشاً، في ظلّ عدم تطبيق قانون العمل السوري واستفحال سطوة أرباب العمل على عمالهم، وذلك مقابل بضعة عشرات من آلاف يضعها في جيب والده ليساعده في إعالة العائلة. إن الفقر والغلاء المعيشي دفعا المجتمع السوري إلى عبودية للقمة العيش حيث يقضي العامل على إنسانيته ومواهبه وربما تعليمه مقابل مبلغ نقدي يكاد لا يسدُّ فيه الحدّ الأدنى من احتياجاته اليومية، ويزداد صاحب العمل ربحاً وأموالاً على أكتاف هؤلاء الناس.. فمتى سيتوقف كل هذا!؟