الكهرباء للأغنياء فقط!

صفوان داود:

بلغ عدد محطات توليد الطاقة الكهربائية الرئيسية في سورية 11 محطة، عام 2010، أهمها: سد البعث في الرقة بسعة إنتاج 81 ميغا واط، وسد الطبقة بسعة إنتاج 800 ميغا واط. ومحطة جندر بسعة إنتاج 1100 ميغاواط، ومحطة الدير علي بسعة إنتاج 750 ميغاواط. ومحطة حلب أكبر محطة حرارية في سورية بسعة إنتاج 1200 ميغاواط (خارج الخدمة حالياً). ومثلها كذلك محطتا الزارة وزينون. لكن مع اندلاع الحرب السورية عام 2011 تعرضت البنية التحتية لهذا القطاع لأضرار كبيرة وهائلة، وكانت وزارة الكهرباء قد أصدرت في نيسان الفائت تقريراً عن هول أضرار هذا القطاع، وقالت إن 300 من عمال الكهرباء فُقدوا أو خطفوا أو استشهدوا، فيما خرج نحو 70% من محطات التحويل وخطوط نقل الفيول عن العمل نتيجة للأعمال الإرهابية. وكان عام 2010 قد سجل ذروة إنتاج الطاقة في البلاد عند الرقم 9530.5 ميغاواط منها 300 الى400 ميغاواط كانت تُصدّر الى لبنان، وانخفضت عامي 2014 و2015 الى 1200 ميغاواط، ثم عادت وارتفعت قليلاً منذ عام 2017.

بعد خمس سنوات منذ أن وضعت وزارة الكهرباء خطتها الاستراتيجية عام 2016 لإحياء هذا القطاع من خلال إعادة تأهيل البنية التحتية وإصلاح السدود وآبار النفط والغاز في المناطق التي استعادها الجيش السوري، ثم توقيع اتفاقات تعاون مع الدول (الحليفة)، واصلت أزمة الكهرباء التفاقم، ووصلت هذا العام الى أسوأ وضع لها منذ ثورة توفير الطاقة الكهربائية للأرياف السورية ثمانينات القرن الماضي.

وبينت التصريحات المتناقضة للمسؤولين في وزارة الكهرباء، عن سلسلة معقدة من المشكلات في مسألتي الإمدادات والإنتاجية، وجعلت تحديد سبب واضح لأزمة التقنين مبهماً للغاية. ومن التصريحات/ التبريرات المتكررة: الأعطال الطارئة، انخفاض توريدات الغاز، العمليات الإرهابية، ارتفاع درجات الحرارة، الصيانة الدورية وغيرها من المشاكل.

ومن هذا السياق المتخبط للرؤية الحكومية يمكن أن نستشرف حقيقة الأمر من ما نشرته صحيفة (البعث) الشهر الفائت عن مصدر مسؤول في وزارة الكهرباء قال فيه إن قطاع الكهرباء المحلي ربما يدخل في مرحلة العجز عن تلبية متطلبات الاستهلاك المحلي حتى عن حدوده الدنيا، نتيجة تجاوز محطات التوليد عمرها الاستثماري بالتالي جدواها الاقتصادية، وإن قطاع الكهرباء سوف يحتاج إلى ما يعادل بالقطع الأجنبي 15 مليار دولار أمريكي، ككُلف تأسيسية، حتى العام 2030).

والسؤال هنا: في ظل غياب اقتصاد قوي قادر على تأمين العملة الصعبة، هل يمكن للحكومة السورية أن تتحمل نفقات باهظة لإعادة إحياء محطات توليد الكهرباء تلك؟

كذرّ الغبار في العيون، لم تعد تصريحات المسؤولين في الحكومة السورية تنطلي وهي غير قادرة على إقناع المواطنين، من قبيل مسألة إدراج الطاقة البديلة كأحد الخيارات المتاحة، والغريب في الأمر انه بعد امتلاء السوق بأجهزة الطاقة الشمسية دون معرفة المصدر، كذلك أسماء الشركات الموردة ودون إعلان الجهات المختصة عن المعايير والمواصفات الرسمية للقطع المستوردة، وخلسة ودون المرور بمناقشات مجلس الشعب أو الكيانات الاقتصادية والأكاديمية، قررت الحكومة، بصورة مفاجئة، اعتماد هذا النموذج من إنتاج الطاقة، ولكن وياللسخرية؛ أن تقع تكاليف الإنشاء على عاتق المواطن، دون أن يطلعوا على مجمل التجارب العالمية من الصين إلى الأردن، أن هذا النموذج لابد أن يدخل ضمن سياق استراتيجية محددة، تقوم به الدولة ضمن أعلى المستويات.

الآن المواطنون -من ما يحتاجونه من ضرورة توفر الكهرباء- من الطالب إلى الصناعي ومن صاحب المنشأة السياحية إلى الحرفي، ليس أمامه سوى العودة إلى ما قبل الانتداب الفرنسي من وجهة تاريخية تطور إنتاج الكهرباء في سورية، أو أن يكون مقتدراً مادياً حتى ينعم بوجودها. وبين هذا وذاك في المدن والبلدات والقرى تحت سيطرة الحكومة السورية الرسمية، وتحت عدد ساعات تقنين تصل أحياناً إلى ٢٠ ساعة يومياً، تُسجن معظم فئات المجتمع السوري في واقع العتمة والعزلة. الكهرباء لا تعني فقط ضوءاً أو إنارة.. إنها الأساس لكل شيء للدخول إلى العالم البشري. وأن مستقبل إمدادات الكهرباء في البلاد سيمايز بشكل أشد الفروق الطبقية الكبيرة أصلاً، وسيضيف (توفر) الكهرباء إلى قائمة ما هو متوفر لهم كل شيء، القلة القليلة المتحكمة في مصير هذا الوطن.

 

العدد 1102 - 03/4/2024