غيوم سوداء تقترب من الاقتصاد السويدي!
طلال الإمام_ السويد:
كانت السويد في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى تسعينيات القرن الماضي تسمى ببلد الرفاهية الزائدة: ضمانات اجتماعية واسعة، نسبة بطالة لا تتجاوز أربعة في المئة.. المواطن السويدي يعيش في بحبوحة اقتصادية. كان السويديون من أكثر الشعوب الأوربية التي تجول العالم خلال الإجازات، إلى درجة صار النموذج السويدي مضرب مثل من حيث الرفاهية والاقتصاد المتين والضمانات الصحية والأمان والبيئة النظيفة. لكن منذ تسعينات القرن الماضي بدأت الصورة تهتز والضمانات تتآكل، بفعل موجات الخصخصة والانضمام للاتحاد الاوربي والانخراط أكثر فأكثر في سياسات الولايات المتحدة والناتو الخارجية.
لماذا نقول ذلك الآن؟
ثمة تصريح مقلق لرئيس البنك المركزي السويدي ستيفان إنغفيس نشر اليوم. فيما يلي مقتطفات مما جاء فيه: (يؤكد رئيس البنك صحة التقارير الاقتصادية التي تشير إلى أن السويد سوف تشهد موجة ارتفاع للأسعار بشكل عام خلال الشهور القادمة، وسوف تصل ذروتها في نهاية الشتاء القادم… وأن التضخم (ارتفاع الأسعار) سوف يصل عند أعلى مستوى منذ الأزمة المالية السابقة التي شهدتها السويد والعالم في 2008)، وأوضح قائلاً: (أن التقارير التي تشير إلى ارتفاع معدل التضخم بشكل حاد في السويد أثارت قلق كثيرين من المواطنين محدودي الدخل وهذا أمر متوقع، لكن الأمر لا يبدو قلقاً لأننا نعمل على حل هذه المشكلة، ولدى الاقتصاد السويدي القدرة على معالجة هذه الدورات الاقتصادية). وأضاف: (نتوقع أن يصل التضخم إلى ذروته في الأشهر المقبلة ثم يتراجع.. يعني ارتفاع معدل التضخم أن السويد سوف تشهد ارتفاع أسعار السلع والخدمات في كل القطاعات مع حدوث انخفاض في القدرة الشرائية للعملة السويدية. ويؤثر ارتفاع معدل التضخم على قيمة العملة ويضر بمعظم القطاعات الاقتصادية في البلد ويشعر المواطن أن كمية النقود التي لديه كل شهر غير قادرة على جلب الكمية نفسها من السلع والخدمات التي كان يحصل عليها سابقاً، فيضطر للإنفاق من مدخراته أو الاقتراض أو ضغط مصروفاته الشهرية).
لابد من الإشارة إلى أن الأزمة الاقتصادية ليست مقتصرة على السويد، وإنما تضرب غالبية البلدان الأوربية بفعل عوامل عدة: توحش وتغول رأس المال، الخصخصة، الهوة الطبقية المتصاعدة في المجتمعات الأوربية، تصاعد التيارات العنصرية والفاشية، ازدياد النزعات العدوانية المتمثلة في شن حروب مباشرة أو غير مباشرةً، وإشعال فتن دينية /طائفية.
يبدو أنه لم يعد بإمكان النظام الرأسمالي في مرحلته العليا المتوحشة التي نشهدها تجاوز أزماته الاقتصادية، البيئية والاجتماعية، كما كان يفعل ذلك سابقاً بأشكال مختلفة. لقد استنفد ذلك النظام مبررات وجوده، وأزمته بنيوية. ولابد أن تجد البشرية نظاماً بديلاً عادلاً في توزيع الثروة الوطنية والعالمية.