من بلادي | الرصافة

وتسمى باليونانية سرجيوبوليس، لؤلؤة بادية الشام في سورية، وتقع الرصافة على بعد ثلاثين كيلومتراً من مدينة الرقة في شمال سورية على نهر الفرات، وقد كان لها تاريخ وحضارة عريقة عبر العصور.

ذكرت المدينة في المدونات القديمة ومنها الآشورية، وتنازع عليها اليونان والرومان والفرس وفي الكتابات اليونانية، وأضحت لها قلاع منيعة تحميها من غزوات السانيين قبل أن تصبح من المدن التابعة لمملكة تدمر وسط سورية، التي امتدّت من شمال إفريقيا غرباً إلى الخليج شرقاً.

تثير ضخامة مدينة الرصافة شعور الاحترام والهيبة لدى كل من شاهدها وكانت قديماً محط تقدير واحترام رجال القبائل، وتحتوي الرصافة على الكثير من المنشآت والأبنية الهامة إضافة إلى سورها الضخم وكنائسها والبازليك والكتدرائية والقصور وخزانات المياه الشهيرة الضخمة تحت الأرض، وقناطر بمحاذاة سور المدينة، ومن مكتشفات المدينة وسيرها أنه كان يوجد بها قديسان شهيران، وهما القديس سرجيوس والقديس باخوس، وهما جنديان سوريان من الرصافة دافعا عن المدينة واستشهدا في سبيل إيمانهم ودفاعهم عن المسيحية. ومن كنائس الرصافة كنيسة القديس سيرجيوس وكنيسة الشهادة، والجدير بالذكر بالنسبة للقصر خارج السور أن جهوداً مخلصة تُبذل حالياً في سبيل ترميم هذا القصر الغساني، ليكون مبناه متحفًا إقليمياً جديداً في الرصافة يسهم في حفظ هذه المنطقة المهمة، والتعريف بفنونها وتاريخها وآثارها المختلفة.

في عهد الأمويين أضحت الرصافة منتجعاً صيفياً بعد أن أضاف إلى عمرانها وطورها هشام بن عبد الملك ، وكان له الفضل في أن تكون جنة في وسط سورية في زمانها، أسهم في عمرانها وازدهارها بتشييد قصرين اكتُشف أحدهما في إثر التنقيب عن آثارها، فعُرفت آنذاك باسم: (رصافة هشام)، وعلى حدود الرصافة نجا الأمير عبد الرحمن الداخل من الموت، لأنه اختبأ عند جماعة من الأعراب على ضفة نهر الفرات بشمال سورية، ثم انتقل إلى دمشق قبل أن يتوجه للأندلس وهو في التاسعة عشرة من العمر، حيث أسس دولة جديدة للأمويين فيها الدولة الأموية في الأندلس. بعد نهاية حكم الأمويين في سورية، تابعت (الرصافة) ازدهارها حتى بداية القرن العاشر الميلادي. واشتُهرت بتعايش المسيحيين والمسلمين بدليل اكتشاف وجود عدة كنائس فيها، ومسجد له محرابان باتجاه الجنوب وشارع مستطيل محاط بأعمدة رائعة، وقد هُدمت إبان غزوات التتار كلياً.

العدد 1104 - 24/4/2024