الحصول على مقعد في الحافلة أعظم انتصار!

وعد حسون نصر:

في غياب الوقود وشحِّ المواصلات وارتفاع الأسعار، أضحى المواطن تحت رحمة سائقي وسائط النقل العامة، وبات حصولنا على مقعد حلماً، وفوزنا به أعظم انتصار مُضافاً إلى انتصارات أخرى، وخاصةً في المناطق المكتظة بالسكان، إذ بات الانتظار على الطرقات عملاً إضافياً للطالب والموظف والمُسنّ والزائر والمتسوّق وحتى الراغب في فسحة صغيرة ضمن منطقته، ويعود هذا الأمر لعدّة أسباب أهمها قلّة الوقود من جهة، واستغلال سائقي هذه الوسائط لنا من جهة أخرى، إذ يلجأ بعضهم لبيع حصّته من وقود حافلته بالسعر الحر المُغري، وكأن وسائط النقل العامة ليست من حق المواطن. أيضاً يقوم بعض السائقين بالتعاقد مع شركات خاصة أو دور رعاية للأطفال أو مدارس ضمن راتب شهري مُستقر، فهو يتكفّل بإيصال هؤلاء إلى أماكن عملهم أو دراستهم ضمن وقت معين. وفي رأيه هذا العمل مريح أكثر من الضغط على الطرقات والتعب والدخل غير المستقر. كذلك غلاء قطع التبديل لهذه الوسائط وفقدان بعضها بات مبرراً للسائق للعزوف عن العمل تحت ذريعة أن القطع غالية وأجور النقل قليلة لا تكفي. وهنا لابدّ من مساءلة للجميع: لماذا كل هذا الاستهتار بنا وبحقوقنا؟

أليس من حقّنا أن تؤمّن لنا وسائل نقل لعملنا، لمدارسنا، وحتى لفسحة صغيرة يوم عطلتنا ولو داخل المحافظة؟  فالغالبيّة باتت لا ترى ذويها أو الأب والأم في المحافظة نفسها بسبب قلّة المواصلات وغلاء الأجور، فما بالكم بالسفر الطويل بين المحافظات وتكاليفه الباهظة، لذا أليس من المفروض أن يكون هناك تدخّل إيجابي من قبل مؤسّسات النقل وفرع المرور عن طريق العمل على وضع نسبة كبيرة من وسائط النقل تحت إشراف الدولة، ووضع سائقين يتمّ تعينهم من خلال هذه المؤسسات براتب شهري، ووضع مراقبين مهمتهم الإشراف على خطوط النقل ومعالجة أي تقصير يصدر من قبل السائقين، كذلك إعادة تفعيل خطوط السكك الحديدية بين المحافظات من خلال صيانتها ووضعها في الخدمة لتكون مُنجداً ومنقذاً إضافياً للمواطن يُخفّف عليه عبء الضغط الناتج عن الازدحام. أيضاً تأمين الوقود للسيارات العامة حتى لا تصبح حجّة فقدانه ذريعة لتحكّم السائقين بالمواطنين من خلال رفع التعرفة، أو العزوف عن العمل على الخطوط المُحدّدة لهم، بما في ذلك العمل على فرض غرامة مالية على أصحاب الوسائط العامة ذات الملكية الخاصة لامتناعهم عن خدمة المواطن تحت ذريعة التعاقد مع شركات أو مدارس أو ما شابه. بالمقابل العمل على تزويد هذه الشركات وغيرها بوسائط خاصة لا تؤثّر على النقل العام، فليس من المقبول والمعقول أن يخرج الطالب إلى جامعته أو مدرسته، والعامل إلى عمله قبل وقته بساعة منتظراً وسيلة نقل، وآخر المطاف لا يتمكّن من الحصول على مقعد فيها أو حتى الصعود إليها، فهذه مهمة الحكومة بمؤسساتها الخاصة بالطرق والنقل للعمل على تأمين الكفاية من حافلاتها لتكون في خدمة المواطن، وخاصةً المناطق التي كانت آمنة خلال الأزمة وازدادت فيها نسبة القاطنين بشكل كبير بسبب الهجرة إليها من المناطق غير الآمنة، فليس من الطبيعي، مع مخاطر وباء كورونا وجميعنا لا يمتلك الفائض الذي يخوّله الركوب يومياً في سيارة أجرة خاصة (تكسي) أن يضطرّ المواطن للجلوس على طرف مقعد في حافلة عامة أو تحميل هذه الحافلة أضعافاً مُضاعفة من الركّاب نتيجة شحّ المواصلات واضطرار المواطن لتأمين نفسه إلى عمله أو جامعته بالصعود وإن على حساب صحته بسبب الازدحام الشديد. لذلك يجب وضع مشكلة النقل ضمن قائمة الأساسيات لكيلا يصبح تنقلنا ضمن مدينتا حلماً يشارك أحلامنا الباقية والمفقودة.

العدد 1102 - 03/4/2024