الموت في استقبال شتاء قارس

السويداء- معين حمد العماطوري:

عند كل إشراق شمس جديد، نشعر أننا قادمون على مجهول لا ندري فيه سوى أننا نعيش لنضع على أكتافنا الحرامات الصوفية وقاية من البرد القارس، بعد أن أظهرت محافظة السويداء ولجنة المحروقات فيها عجزها عن تأمين احتياجات الأهالي من مازوت التدفئة، ولا ندري ما إذا كنا نستطيع الصمود أمام موجات البرد القاسية، إذ بتنا على يقين أن الموت القادم إلينا هو قدر لا مفر منه،  فطبيعة السويداء وهواؤها البارد يحمل بين ذبذباته إشكالية القدر وطبيعة نوع الموت المحقق، فقد حمل معه الجوع والقهر والإذلال والفقر والبرد والأمراض وغلاء الأدوية الباهظة، ولهذا فإن سقف الطموح تحقيق الموت الشريف، اللهم لا أسالك رد القضاء بل اللطف في طريقة الموت!

يقيناً أن الموت قدر لا بد منه لنا فقط، وأملنا أن يعيش من يحقق لنا كل مستلزمات الحياة من الحكومة وأصحاب القرار، فهم، على ما يبدو، الأحق بالحياة، وحياتهم أهم من حياتنا، فنحن إذا متنا سيكون في ذلك راحة واطمئنان لهم، أنهم تخلصوا ممن يشكلون عبئاً على تأمين مستلزمات المعيشة لهم، من فرص عمل غير متوفرة، إلى مازوت التدفئة المسروق والبنزين المنهوب، والأشجار المقطوعة بمنشار آلي يسمع صوته على مسافة آلاف الأمتار ويدخل آذان أصحاب البساتين الذين أفنوا حياتهم لتكوين مصدر عيشهم زراعي يذهب بين ليلة وضحاها بصوت منشار آلي، والمسؤولون بكم عمي لا يسمعون ولا يرون، وبالتالي موتنا يخفف النق والطق على أصحاب القرار، فهمّهم الوحيد كيف يلبسون الأطقم الحديثة والسهرات في أفخم المطاعم ويؤمنون أولادهم في الجامعات كي لا يخدموا في صفوف الجيش، لأنه معيب حقاً أن يستشهد ابن مسؤول ويعيش ابن الفقير، وهذا هو المنطق المفروض والسائد، إذ خلال الأزمة التي مرت قدم السوريون آلاف الشهداء من جميع المحافظات السورية، ولم نلحظ ابن مسؤول استشهد أو كان بين صفوف البواسل للدفاع عن الوطن.

تشكلت القناعة واقعية أن الفقير وجد لخدمة الغني، وهذه المعادلة تعمل عليها حكومتنا، ولعمري نظرية قديمة حديثة، إذ لا فرق بين الإقطاع القديم الجاهل والحديث التقني على البطاقة الذكية، بعد أن بات الغاز على البطاقة والبنزين والمواد التموينية وغيرها من المواد، وننتظر عزرائيل أن يصدر بطاقته الذكية في تحديد حياتنا وأيام معيشتنا لتحقيق الحلم في الانتقال إلى السماء، لأن الأرض في ظل حكومة البطاقة الذكية باتت لا تفي في رفاهيتنا وما نعانيه من فوائض وفوائد في السعادة المفرطة، فالخبز عفواً المقنن على البطاقة الذكية، وسوف نقاسم ثروتنا الحيوانية على مقننها العلفي إذا استطعنا تأمين قيمتها المالية، وإلا فإن العلف الأخضر لا يكفي لنا ولها بتوفر ثقافة الرعي الجائر. أما أصوات المنشار على إيقاع وأنغام تطرب السادة المعنين بات هو الآخر يمل من النق حوله، والثروة الحراجية والمحافظة على البيئة، ليست في اهتمام أحد.

وعلينا شكر السوق السوداء التي تؤمن لنا الاحتياجات أكثر من الحكومة، ولكن الفارق بينهما الأسعار وهذا من حقهم، فهم يعانون لتأمين المادة من مازوت والبنزين والحطب الذي ارتفع سعر الطن ووصل إلى مليون ليرة، فمن يحاسبهم؟ أصلاً من المعيب محاسبة هؤلاء فهم يعملون على رفد السوق المحلية وتأمين الأتاوات لأصحاب القرار!

لذلك علينا استقبال فصل الشتاء بوجه بشوش والتحضير بالحرامات الصوفية، ومدافن للفقراء، لأن أمراض الشتاء كورونية كثيرة وأسعار معاينة الأطباء والأدوية بارتفاع مع أسعار الحطب المسروق، والمعيار ليس على سعر الصرف بل على التحطيب الجائر، لأن لكل زمان عملته.

وكل شتاء وأنتم بخير ومرحى لك يا أسواقنا السوداء! ومن كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر.

العدد 1102 - 03/4/2024