مؤشرات.. ومؤشرات

كتب رئيس التحرير:

بداية نؤكد ما ذكرناه مراراً على صفحات (النور): (لا نثق بالإدارة الأمريكية ولا بوعودها، ولا نعوّل كثيراً على الإيحاءات التي استخلصها البعض من التصريحات الأمريكية والإجراءات الأخيرة المتعلقة بتزويد لبنان بالكهرباء والغاز عن طريق سورية).

ولا نثق كذلك بتعهدات أردوغان، ولا نصدّق بروباغندا الخلاف الأمريكي- التركي الذي يلوّح به أردوغان لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، وفرض مخططه (السلطاني) على المجتمع الدولي.

كيف توهم البعض أن مجرد الترحيب الأمريكي بانعقاد اللجنة الدستورية هو تغيير في السلوك الأمريكي تجاه المسألة السورية، في الوقت الذي كانت تعبر فيه عشرات الشاحنات المحملة بالأسلحة والمعدات اللوجستية الحدود السورية باتجاه القاعدة الأمريكية في المنطقة الشرقية؟

وكيف تفاءل البعض، بعد اجتماع سوتشي بين الرئيس بوتين وأردوغان، بقبول تركي للطلب الروسي بإخلاء محافظة إدلب من الإرهابيين، وسحب القوات التركية، في الوقت الذي تستمر فيها دول العدوان بإجراءاتها لتتريك كل ما هو سوري في هذه المحافظة، وبرعاية المجموعات الإرهابية، وسرقة الأراضي السورية، والادعاء بعد ذلك بأن (تركيا هي الدولة الوحيدة التي حاربت داعش)؟!

المؤشر الوحيد الذي نراه جليّاً وواضحاً، هو تغيّر ملموس في مواقع المجتمع الدولي تجاه المسألة السورية، وعودة العديد من الدول عن مواقفها المسايرة للتحالف المعادي لسورية، وسعيها لإعادة العلاقات مع الحكومة السورية، وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية السوري بعد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخراً، وهذا ما يجب استثماره بشكل مدروس لكسر العزلة الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على سورية خلال سنوات الجمر، وهذا يتطلب حسب اعتقادنا العمل بجدية لإنجاح مساعي الحل السلمي للأزمة السورية، والتفاعل الإيجابي مع الحلفاء لتفعيل اجتماعات اللجنة الدستورية القادمة، دون المساس بالثوابت الوطنية التي تتمثل في رفض الاحتلال، والحفاظ على السيادة السورية، ووحدة البلاد أرضاً وشعباً.

الاحتمالات مفتوحة على سيناريوهات عدة، وخلال الفترة القريبة الآتية ستتوضح ملامح المرحلة القادمة، لكن الحكمة والتجارب السابقة تدعونا إلى توقع الأفضل دون الغرق في أوهام التفاؤل المفرط، وتوقع الأسوأ، دون الوقوع في حبال التشاؤم واليأس، وهذا ما يتطلب تهيئة مستلزمات هذه المرحلة، وأهمّها دعم استمرار صمود الشعب السوري في مواجهة احتمالات استمرار الاحتلال، وعرقلة الأمريكيين وحلفاؤهم في الخارج والداخل لجميع المساعي السلمية لحل الأزمة السورية.

ونكرر هنا للمرة الألف، إن حجر الزاوية في دعم صمود سورية هو تلبية مطالب الشعب السوري، وخاصة الفئات الفقيرة، بالتخلص من معاناتهم المعيشية التي أرهقتهم، والتي وصلت إلى درجة تهدد الاستقرار المجتمعي، فالارتفاعات المستمرة لأسعار جميع السلع والخدمات، وتحكّم المستوردين وبعض كبار التجار والسماسرة والفاسدين وبعض (البازغين) الجدد بالمفاصل الرئيسية في الاقتصاد والإدارة، وتراجع الحكومات المتعاقبة عن دورها الرعائي تجاه الفئات الفقيرة تحت هذه الذريعة أو تلك، وإحجامها عن القيام بأي جهد جدي لإحداث نقلة، ولو كانت متواضعة في الوضع المعيشي.

إننا في الحزب الشيوعي السوري الموحد، لا نسعى من وراء تأكيدنا على دعم الفئات الفقيرة إلى مكاسب حزبية.. شعبوية ضيقة، بل لأننا نؤمن إيماناً راسخاً أن هذه الفئات هي الداعم الرئيسي لجيشنا الباسل، والسند الحقيقي لأي مستقبل نسعى إليه، وهذا ما أثبتته مجريات سنوات الجمر.

صفاً واحداً ليكون المستقبل السوري ديمقراطياً.. علمانياً يضم الجميع.

العدد 1102 - 03/4/2024