هم اليوم ونحن غداً.. فلنُحسِن معاملة كبارنا!

ريم داود:

رحلة من العطاء والعمل تُكلّل بنهاية حزينة، ومشوار من الكدِّ والتعب تأتي خواتيمه موجعة مؤلمة. ها هو ذا العمر قد مضى وسارت خطاه نحو الآخرة، شيب كسا الرأس وتجاعيد غطّت الوجه، كل ثنية منها تقصُّ رحلة سنوات. وعلى الرغم من التغيّرات الجسدية التي طرأت على العم (يوسف) نجده راضياً متأقلماً مع واقع الحياة، فكل فرد سيمرُّ بمراحل العمر كلها، وليس من أحد استقر به الحال في مرحلة الشباب، مدركاً أن لكل فترة جماليتها، لكن شبح الشيخوخة لا يفارقه خوفاً من أن تسوء به الحال ويصبح عاجزاً غير قادر على التحرّك وقضاء حاجاته. لا يزال العم يوسف ذو الثمانين عاماً ينهض مشرئبّاً منكبّاً منهمكاً في عمله، فخلاصة الحياة لديه أن في الحركة بركة، وأنه لن يسمح لجسده بالكسل ما دام يستطيع العمل، ليس لأنه يرغب بذلك كليّاً، بل لأن ظروف الحياة تجبره، فحسب قوله هو: لن ينتظر أصحاب الخير لتأمين حاجاته. لا أعلم ما هي الصعوبات والظروف المعيشية التي يناضل من أجلها ذلك العم، لكنني أعلم أنه من العار علينا جماعة وأفراداً أن يصل أحد أبناء مجتمعنا إلى سنٍّ متقدمة دون أن يجد معيلاً له ودون أن توفّر مستلزماته كاملة.

*الضمان الاجتماعي: يعتبر الضمان الاجتماعي أو التأمين الاجتماعي ركناً هامّاً ومقوّماً أساسيّاً من مقوّمات حماية المُسنّين، وسبيلاً إيجابياً نحو تأمين حياة كريمة تصون كرامتهم وتحمي كبرتهم من غدر الزمان. ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً، يتمُّ تخصيص مبلغ نقدي لكل مُسنّ من خلال بطاقات ائتمان، وتُخصّص قيمة هذا المبلغ للطعام والشراب حصراً، ويجري شحن بطاقاتهم بشكل شهري سواء تمّت الاستفادة من كامل المبلغ أم لم تتمّ، فضلاً عن المبالغ المُخصّصة للطبابة والأدوية، بالمختصر يتمُّ تأمين حاجات المُسنّ كاملة دون أن يحتاج حتى أبناءه.

إننا اليوم نعاني واقعاً وظروفاً مشابهة لما يعانيه مُسنّو الدول المتقدمة من وحدة وعزلة نتيجة خروج الأبناء للعمل والسفر أو الانتقال لمدن أخرى وما يترتب عليه من بقاء الأهل وحدهم إمّا ضمن المنزل أو في دار إيواء المُسنيّن، لكن المفارقة كبيرة، فهؤلاء لديهم كل ما يحتاجونه من مستلزمات وخدمات تساعدهم على العيش وتحفظ كرامتهم، أمّا مُسنّو مجتمعنا فللأسف وعلى الرغم من هجرة أبنائهم وفقد معظمهم، وعلى الرغم من الوحدة والعزلة التي يعانونها، يفتقرون لأبسط مقوّمات الحياة، فالمُسنّ في مجتمعنا دون معيل وسند معين، يعيش أيامه طالباً رحمة الرحمن!!

*الرعاية النفسية: من المؤسف، بل من المحزن أن يحيا المرء حياته مناضلاً مكافحاً في دروب الحياة، جاهداً لتأسيس عائلة وجماعة أقران يقضي معهم سنوات العمر وخاصة مرحلة الشيخوخة، لكنه يجد العكس تماماً وتمضي به الأيام وحيداً منفرداً بروحه يخاطب نفسه. في تجربة فريدة قامت بها دولة كندا محاولة تأمين حياة شبه طبيعية للمُسنّين، قامت بدمج دار المُسنّين مع دار الأيتام، محاولة بهذه الخطوة تأمين الرعاية الأسرية للأطفال، وتأمين أجواء من المرح والحياة للمُسنّين، وتعتبر هذه التجربة ناجحة لأن كلا الفئتين حصلت على ما ينقصها من الرعاية والاهتمام النفسي والاجتماعي، تكمل كلٌّ منهما الفئة الأخرى، فطاقة الأطفال طاقة متجدّدة فيها الحياة والروح والاستمرار الذي يدفع بالمُسنّ نحو العمل على توجيه الصغار وتدريبهم بخبرة تتجاوز سنوات أولئك الأطفال وبإرشاد من المشرفين، كما يبعد عنهم الملل وانتظار دنو الأجل ويوفّر للأطفال التوجيه اللازم والحنان والحب الذي فقدوه.

ويبقى السؤال الأهم: هل يستحق كبارنا هذا الإهمال منّا؟ وهل سنحصل في المستقبل على الإهمال ذاته، أم أنه سيتمُّ العمل على آلية مختلفة تغيّر وجهة المجتمع لدينا؟

العدد 1104 - 24/4/2024