التدخين بصنفيه (السجائر والنرجيلة) مرضُ العصر والإدمان الأخطر!!

يارا بالي: 

خللٌ في الأحداث السياسية، وأطماعٌ دولية.. حروبٌ ومجاعات، وكوارثُ كونية طبيعية، جرائم وتفكّك أسري.. تحدياتٌ يومية، واقع صعب وأحداثٌ متسارعة هي ما يعيشه الكوكب والعالم ككل.. واقعٌ يجعل الحياة كتلة تحدياتٍ، ويجعل الالتزام أمراً عسيراً، ويغدو من يقاوم الانحلال كمن يحمل النار بين يديه ويمضي.. والتدخين إدمان، ولا نبالغ في القول إذا قلنا إنه الأخطر في أيامنا هذه.. فما الأسباب الكامنة خلف انتشاره، بشكل واسع في المجتمعات العربية؟ وما الحلول والطرق المطروحة للحدّ منه وإيقاف هذا الإدمان القاتل؟ وما رأي منظمة الصحة العالمية في هذا الشأن؟

تُعدُّ المجتمعات العربية مجتمعات محافظة، بُنيت على مجموعة من العادات والتقاليد والنظم التي تضمن استمرارها، وحمايتها من أية عادات دخيلة وغريبة عليها. ولكن منذ أن انفتحت تلك المجتمعات على الثقافات الغربية، تغيّرت المقاييس، وغزت الأفكار الأوربية المُغايرة عقول الشباب، لتحلَّ محل العرف الأصيل الموروث، فقد كان الشاب العربي في الماضي، يخجل من التدخين أمام الوالدين، ويشعر بكبر فعلته وبشاعتها، لكنه اليوم يُجاهر بها في الشوارع والمنازل، وتعجُّ المطاعم العربية بالراغبين فيها بشدّة وإدمان مُخيف، كما غدت النرجيلة ضيافة أساسية في جلسات السهر والسمر، لدى مختلف الفئات العمرية، وهنا تكمن الكارثة، إذ لم يقتصر الانتشار الواسع لها على فئة مجتمعية واحدة، وإنما تجاوزت العمر والجنس والحالة الاجتماعية، وأصبحت مطلب العائلة كلها وأمام الأطفال في أغلب الأحيان.. هذا الانفتاح على ثقافات الغير بطريقة مغلوطة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وما تروّج له من أفكار بأن التدخين بصنفيه شكل من أشكال التمدّن والحضارة والتحرّر، لم يكن إلاّ مصيدة للأجيال، وتخديراً للعقول الشابة بشكل غير مباشر، فما يظهر على أنه انفتاح، ما هو إلاّ انفلات وانكباب على كل أسباب الضياع، لأن التدخين وخاصة النرجيلة، يحتوي على كميات وافرة من المواد السامة التي تُسبّب الأمراض لدى مدخني السجائر، ومنها السرطان، وأن بعض هذه المواد السامة يمتصها بفعالية مدخنو النرجيلة، ومن ثَم تظهر لديهم في النفس والدم والبول كما أفادت دراسات أجريت حتى الآن من قبل منظمة الصحة العالمية. وتبيِّن الأدلة أن تدخين تبغ النرجيلة ربما يرتبط بسرطان الفم والمري والرئة وربما يرتبط بسرطان المعدة والمثانة. وهناك أيضاً أدلة على ارتباط تدخين تبغ النرجيلة بأمراض الجهاز التنفسي، والمرض القلبي الوعائي، وأمراض اللثة، وانخفاض الوزن عند الولادة، والتهاب الأنف المزمن، والعقم عند الذكور، ومرض الجزر الارتجاعي المعدي المريئي، وضعف الصحة العقلية، إضافة إلى ارتباط التدخين ككل بمرض كوفيد 19 المنتشر حالياً في العالم.

وتُعدّ البطالة والفراغ في حياة الشباب ولاسيما السوريين، من أهم أسباب الانتشار الواسع للتدخين، فالوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه البلاد العربية، وخاصة التي تعيش واقع الحرب كسورية، يُعدُّ عامل الدفع الأعظم للشباب باتجاه التدخين، كوسيلة للتفريغ الخاطئ لما يعيشونه من توترات وضغوطات حياتية يومية.

وبإنعام النظر في المجتمعات العربية، نجد أن انتشار الأركيلة أكبر من انتشار السيجارة، وذلك بسبب الثقافة المجتمعية المغلوطة التي تحتوي أفكار تجعل الأركيلة أقلَّ ضرراً وخطورة من السيجارة، في حين (أفادت منظمة الصحة العالمية أن جلسة تدخين الأركيلة الواحدة يمكن أن تعرّض الشخص لمزيد من الدخان على مدى فترات زمنية أطول، مما يجعل مدخنيها عرضة لتركيز أعلى من السموم والمواد المسببة للسرطان. فقد وجد أن متوسط جلسة تدخين واحدة للأركيلة بمعدل ساعة تحتوي على ما بين 20 إلى 200 سحبة، مقارنة بمتوسط عدد سحبات السيجارة الواحدة التي قد تصل إلى 8 إلى 12 سحبة. كما ينتج عن الدخان المنبعث من الأركيلة تركيز أكثر بـ 30 مرة من القطران الناتج عن دخان السجائر، وما يصل إلى أكثر من 15 مرة أول أكسيد الكربون وذلك بسبب حرق الفحم. وعلى الرغم من أن ذروة تركيز النيكوتين هي نفسها في السيجارة والأركيلة تقريباً، فإن مُدخّن الأركيلة في نهاية المطاف هو الأكثر تعرضاً للنيكوتين.

وفي ضوء الانتشار الواسع للنرجيلة في جميع أنحاء العالم، أصدرت منظمة الصحة العالمية تدابير رقابية قوية للحدِّ من انتشار هذه الممارسة من أجل حماية الصحة العامة. وفيما يلي بعض هذه الإجراءات المقترَحة للمنظمين:

. تطبيق الإجراءات الضريبية على منتجات التبغ وتقييد أو حظر الاستيراد أو البيع لمنتجات التبغ والنرجيلة المعفاة من الرسوم الجمركية.

. يجب حظر تدخين النرجيلة في الأماكن المغلقة العامة، كما يجب عدم السماح بأماكن للنرجيلة داخل ساحات التسوق الكبيرة مثل مراكز التسوق المغلقة.

. ينبغي اختبار تبغ النرجيلة ودخان النرجيلة بالمعايير الصارمة نفسها المطبّقة على تبغ السجائر.

. حظر الشركات المُصنّعة والأطراف الثالثة من تقديم ادعاءات تتعلق بالصحة والسلامة لتدخين التبغ من النرجيلة وملحقاتها.

. يجب عدم السماح لعبوات تبغ النرجيلة أن تحمل ادعاءات تتعلق بالصحة أو السلامة للمنتج.

. ينبغي للتحذيرات الصحية أن تشير إلى مختلف الآثار الضارّة المترتبة على تعاطي التبغ، ويجب أن توضع على عبوة تبغ النرجيلة بوضوح، وكذلك على جميع الملحقات وعلى النرجيلة نفسها.

. ويجب تنفيذ برامج التعليم والتوعية العامة الشاملة بشأن مخاطر تدخين النرجيلة، كما ينبغي لها أن تعالج على وجه التحديد المُغالطة التي تدّعي أن تدخين النرجيلة أكثر أماناً أو أكثر صحة من تدخين السجائر.

. يجب تنظيم أي شكل من أشكال الإعلان عن النرجيلة والترويج لها ورعايتها من قِبَل هيئة حكومية مناسبة، وهذا يمكن القيام به بسهولة أكبر من خلال التأكد من أن النرجيلة مشمولة بجميع التشريعات والأنظمة التي تنظم إعلانات السجائر والترويج لها ورعايتها دون استثناء.

. ينبغي لبرامج الإقلاع عن التبغ أن تشمل تدخين تبغ النرجيلة، وينبغي أن تستهدف التدخلات السمات الفريدة التي تجعل تدخين النرجيلة جذاباً وبالتالي يصعب الإقلاع عنه.

. ومن الحلول التي ينصح بها الأطباء للإقلاع عن التدخين هي قطعه تماماً دون اللجوء لإنقاصه على دفعات، وهذا ما أكّد عليه بول أفيارد، أستاذ الطب السلوكي بجامعة أكسفورد فقد قال: (مشكلة الإقلاع عن التدخين أنه شيء يمكنك القيام به دائماً، وعليه فالالتزام بالإقلاع عن التدخين بشكل نهائي وقاطع هو مفتاح النجاح. وهذا يعود إلى الطريقة التي يتعلّم بها الدماغ ويتخلّص من أنماط الإدمان). كما نصح الأطباء المختصون بالجمع بين العلاجات البديلة للنيكوتين، مثل رقعة النيكوتين، إضافة إلى الأشكال الأخرى سريعة المفعول، مثل العلكة أو رذاذ الأنف، لأن ذلك أكثر فاعلية من الاعتماد على علاج واحد كبديل للنيكوتين.

. ومن الحلول المطروحة هي تجربة السيجارة الإلكترونية وهذا ما أكده نيكولا ليندسون، باحث الطب السلوكي في جامعة أكسفورد فقال: (هذا المكون السلوكي الذي لا تملكه بعض الأدوية الأخرى لوقف التدخين، ولكنه متوفر في السيجارة الإلكترونية، لأنها تمنح المدخنين شيئاً ما ليفعلوه بأيديهم بدل السيجارة العادية، ويمكنه المساعدة في تعويض العنصر الاجتماعي في عملية التدخين).

وفي الختام، لابدّ من التطرّق إلى الجانب المادي الذي يستهلكه التدخين بصنفيه، ولاسيما في أيام الغلاء الفاحش الذي نحياه اليوم، فضلاً عن باقي المخاطر سالفة الذكر.

العدد 1104 - 24/4/2024