الفساد هو العدو الأكبر لصناعة شباب وطني

محمد نذير جبر:

الوطنية أو المواطنة.. ما هي؟ وما هي عوامل تنميتها، والعوامل التي تؤدي إلى ضمورها؟

إذا كتبنا ما هي المواطنة على محرّك البحث، فسنجد التعريفات التالية وما يدور في فلكها.. فالمواطنة تعني الفرد الذي يتمتّع بالانتماء والعضوية في بلد ما، ويستحق بذلك ما تُرتّبه تلك العضوية من امتيازات وحقوق وتكليفات.

وفي تعريفٍ آخر: هي مشاركة الفرد في أمور وطنه، وما يُشعِره بالانتماء إليه.

ومن المنظور الاقتصادي الاجتماعي، يُقصد بالمواطنة إشباع الحاجات الأساسية للأفراد، بحيث لا تشغلهم هموم الذات عن أمور الصالح العام، فضلاً عن التفاف الناس حول مصالح وغايات مشتركة، بما يؤسّس للتعاون والتكامل والعمل الجماعي المشترك.

من البديهي أن عوامل تنمية الحسّ الوطني والشعور بالمواطنة هي العدالة الاجتماعية بتساوي الفرص، سيادة القانون، نزاهة القضاء، مكافحة الواسطة والمحسوبية، شعور الإنسان بالأمن والاستقرار.. إلخ.

أما الفساد، فهو نقيض كل ذلك، وفي نهاية الأمر روّجت منظومات الفساد في الدول العربية التي عصفت بها الاضطرابات، أن سبب فرار الشباب وانشقاقهم وتعاطيهم مع المرتزقة من مجموعات إرهابية على اختلاف مسمياتها، هو خيانة وبيع وتخلٍّ عن المواطنة، بينما البيع الأول المؤسّس لكل هذا هو ضخامة الطبقة المُتنفّذة الفاسدة وممارساتها التي أشعرت المواطن بأنه قيمة استعمالية. ومع الأسف استعانت الشعوب العربية بأكبر الفاسدين (الدول الاستعمارية الغربية) لمواجهة حثالات بلدانها.

يلعب ملمّعو الطبقة المُتنفّذة من محللين سياسيين مزعومين وصناع بروباغندا دوراً كبيراً في ضرب الحسّ الوطني، وأقصد أولئك الذين سمّتهم الشعوب العربية بـ(الأبواق والطبول) لأنهم يتبجحون، كلٌّ ملبّساً قيادة بلده هالة طوباوية، فيأتي أثر كلامهم عكسياً مُنفّراً، فما هم إلاّ جزء ظاهر من تكريس للحالة المُنفّرة التي أضحى يعيشها المواطنون العرب، والقائمة على التناقضات حيث يصرخ الإعلام بالوطنية وضرورة فداء الوطن وتقديسه، والواقع يغصُّ بالأنانية والتنافس غير الصحي واحتكار المواد ورفع الأسعار غير المبرر، بحيث أضحى المواطن يستيقظ كل صباح متسائلاً: من سيسرقني اليوم من الباعة؟

لا يهم أن تكتب المؤسسات الرسمية في رأس الفاتورة أو الورقة الرسمية عبارة (السيد المواطن فلان)، المهم أن يتمثّل المواطن هذا الأمر على أرض الواقع. إن الفقر الذي ينشأ الجيل الصاعد في أكنافه الموبوءة، ورؤية عديمي الأخلاق من أصحاب عضلات كبيرة وشبان جريئين على كرامات الناس ودمائهم، وارتباط هذه النماذج المُشينة بعصابات الأشرار وبشخصيات لها وزنها من قامات الفساد الباسقة، إن رؤيتهم لهؤلاء يحققون الكسب السريع والسهل، وبما أن (الوطن والوطنية) هي الستارة التي يتلطّى خلفها الفاسدون والحثالة المُتنفّذة كما تتلطّى الدول الاستعمارية خلف شعارات الليبرالية والديمقراطية، فهذا ما يُحدث ردّة فعل لدى الشباب غير الواعي، ويجعلهم ينفرون، وكثيراً ما قرأنا شباناً يكتبون عبر مواقع التواصل الاجتماعي عبارات من نوع (الوطن هو المكان الذي تستطيع العيش فيه بكرامة).

إن الفساد مُقترن باللؤم وتعطيل المصلحة العامة والتضييق على المواطن، إلى أن يفتح محفظته، فكيف سيفتح قلبه للوطن وللمؤسسات التي تُجسّد سلطات الدولة، ما دام يتعرّض لمثل ذلك بين الحين والآخر؟! وكيف سيُضحّي بحياته للدفاع عن الوطن مادام يقرأ في الصحف عن اللحوم الفاسدة وعن المواد منتهية الصلاحية التي تُستخدم في المنتجات التي يستهلكها بمختلف أنواعها مُهدّدة صحته وصحة أطفاله وذويه. إن تلك المشاعر السلبية المتراكمة الناتجة عن إيذاء المواطن وإذلاله وابتزازه من قبل كلّ فاسد ومرتشٍ، وأحياناً من قبل بعض المتنمرين والبلطجية الذين استطاعوا بطريقة أو بأخرى أن يحملوا بطاقة من (الدولة)، إن تلك المشاعر هي العاطفة الهدّامة التي لن تزول إلاّ بتكريس سيادة القانون لصناعة المواطنة الحقيقة. هناك تجاوزات وممارسات لما يسمّى السلطات العربية في الواقع اليومي المعيش تُجسّد نقيضاً لكل ما مِن شأنه تنمية الانتماء الوطني وتكريسه لدى الجيل الصاعد.

العدد 1102 - 03/4/2024