نتوق لميناء سلام

وعد حسون نصر:

بعد الصراع حولنا في كل مكان وعلى أرضنا وأمام أعين صغارنا وكبارنا، وبعد دمار طال نفوسنا وإنسانيتا قبل بيوتنا، بعد حرائق طالت أرواحنا قبل أرضنا، وبعد انفجارات وقعت في أفكارنا وبين ضلوعنا قبل ساحاتنا، بعد أن رفرفت الرايات السود فوق رؤوسنا قبل منازلنا، نريد السلام بلغته النقية، بحروفه المُجسّدة بالأمل والبسمة والراحة، سلام يخرج من أرواحنا المتصالحة مع ذاتها بعد صراعات أدمت قلوبنا وشوّشت أفكارنا، نحن بحاجة إلى هدوء مغموس بسلام داخلي، لنخرج إلى العالم حولنا برايات بيضاء ملوّحة بغصن زيتون في منقار حمامة، لنعيد بناء الطفل الذي فقد طفولته مع صوت الرصاصة ووهج القذيفة، مع صفعة الأب المعصوب العينين أمامه، ومع غصّة الأم المخنوقة حنجرتها خشية أن تريه دموعها، هذا الطفل الذي هرب بعيداً ناسياً دميته بين الركام هو الآن يبحث عن سلام بينكم، فأعطوه السلام مع دميته لتعيدوا له طفولته الهاربة من بين الركام، ولا تنسوا الأب المعصوب العينين بمنديل أسود، فهو يحتاج أن تنزعوا هذا المنديل وتضعوا أمامه لوحة مصبوغة باللون الوردي ومزركشة بخيوط الشمس الذهبية، لتكون لوحتكم أيضاً هدية للأم المخنوقة بغصّة القهر لعلّها ترفع صوتها بزغاريد الفرح. نعم، نحن بحاجة إلى الفرح ليعود السلام الغائب مع غياب الصوت في الساحات، مع غياب المسافر بأصقاع الأرض لاجئاً يبحث عن الأمان، مع عيون الأم التائهة تنتظر عودة الجميع لتجمعهم حول المائدة، مع سكوت الأب مرغماً ليؤمّن لقمة العيال، فلا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي مكبلين بالإحباط، فنحن من خرج من حرب كانت على صفيح ساخن اشتعلت نيرانها في كل مكان، نحتاج إلى الحب لنحيا السلام ونتمتع بالاستقرار، لذا علينا أن نصنع السلام من داخلنا نلبسه ثوب الفرح، نخرجه ملوّحاً بالراية البيضاء، نعطيه غصن الزيتون، نجعله يمرَّ على الطفل بثوب العيد، على الآباء بشغف الكرامة، وعلى الأمهات بمناديل وردية تمسح بها عرق الأسرة بسعادة بعد لهاث فرح، لا تنسوا الشباب الغارق بالهموم، فهو عمادنا ويحتاج منّا جرعة حب تنشط داخله ليزهر غصناً أخضر يفتح براعم الأمل بنفسه، ليخرج منها لمن حولها، فإذا زرعنا الحب بشبابنا كان خير سند لشيّابنا، وخير حاضن لأطفالنا، وهنا نكون قد صنعنا السلام ووضعناه حاجزاً بوجه الخراب المتواصل مع سنوات الحرب وكأنه شبح القبور القابع بيننا، لنزيل القبور من نفوسنا قبل مدننا لعلّ النفوس تزهر بالأمان وخاصة بعد كل الرعب الذي طالنا جميعاً، فمن منّا لا يحتاج إلى الراحة، ومن لا يحتاج إلى الهدوء؟

فإذا كانت الحرب قد سرقت منّا حبنا، علينا أن نقاومها لنستعيده، ألا يكفينا ضغوط فقدان الاستقرار للخدمات من كهرباء وماء ووقود، جميعها كانت سبباً لعتمة نفوسنا قبل بيوتنا، أليس من الواجب علينا جميعاً أن نعيد ترميم الإنسان بداخلنا لنعينه على الصمود أمام ضغوط الحياة، فكل هذا يحتاج إلى سلام داخلي، من خلاله نصدر الحب والطمأنينة للجميع، فلكي نبني إنساناً علينا أن ندعمه منذ نشأته بالحب والرعاية والأمن والأمان والاستقرار، وهذا كله ينشأ من مفهوم السلام الذي بتنا نحتاجه الآن كثيراً لنحيا حياة هادئة بعد صخب الحرب وما خلفته من دمار في نفوسنا.

العدد 1102 - 03/4/2024