تعقيدات اقتصادية بسيطة

د. سنان علي ديب:

في سيرورة حياة السوريين ضمن فترة الحرب القذرة والتي كل فترة تنكشف بوضوح أكبر أسبابها ومسبباتها والمشاركون والمخططون، كل يوم يأتي بجديد أو مجدد مفاجأ ولكن حجم المعاناة والألم جعلت ذلك كله يمر مروراً عابراً بلا أي تفكير أو محاكاة أو تقييم.

في بلد كان للأحزاب والمنظمات دور كبير قيادي مساهم بالقرارات ومعرقل لما لا يخدم الوطن والمواطن، وهذا ما أخّر الانقلابات الفكرية والاقتصادية ولبرلة العولمة، لأن الصدق بين الفكر والتطبيق لصالح المواطن جعل صلابة النسيج وقوة التمسك والدفاع عن هذه المكاسب، ولكن لكل شيء حدود. وخلال الحرب يتعرض النسيج للتهشيم والصلابة للتسييل والممنوع أصبح واقعاً وأصبحت حتى هزالة المواقف إنجازاً، فالبعض ولو متأخراً حاول أن يعطي مواقف قريبة من المواطن وتمر على معاناته ولو بكلام إنشائي أو ملغوم، ولكن حتى هذا التعبير عرقل أو بورك من غير أن تفهم الحالة، فصرنا أمام نقد للنقد أو مباركة بلا فهم أو لمس العطاء. ويبقى مسار الأحداث مليئاً بإنجازات وزارة طالما كانت شماعة معاناة المواطنين في سلوكيات لم تقترب من الغاية التي أنشئت لها في فرض الأسعار ومنع فوضاها، وفي التدخل الإيجابي وفي حماية المستهلك من حيث الأسعار ونوعية المنتجات، ويستمر المسلسل وسط تطبيل إعلامي فلنحضر حجر الأساس قريباً سيفصل الرز عن السكر، وعطاء جديد سيسمح بـ ٣ كغ سكر حر لكل مواطن بسعر ٢٢٠٠ ليرة وسط ذهولنا وتساؤلنا أما زالت أهم مهام مؤسسات التدخل هي التسويق لبعض المحتكرين وبأسعار مخادعة لبضائع مخزنة.

للعلم في لبنان الدولة التي وصلت إلى شفا الإفلاس والانهيار صممت بطاقة ذكية لكل شخص ٢٥ دولاراً شهرياً وبحدود ١٦٠ دولاراً للأسرة، بينما وسطي الأجور لدينا لا يتجاوز ٢٥ دولاراً، وفي ظل أزمات ما بعد البطاقة التي هي حاجة ضرورية في ظل محدودية القدرات، ولكن أتمتها وبرمجتها تصنع أعاصير ورياح تأزيم.

ومن الأمور الغريبة العجيبة موضوع الكهرباء والغاز من مصر والأردن للبنان طبعاً، بعدما أخذ الموضوع بعين الارتياح لأنه تجاوز للحصار والعقوبات اللاإنسانية الظالمة من قبل الشر العالمي نفاجأ بالوزيرة الأردنية تبدع في أن الوقت اللازم بين ٦ شهور وسنة، والتكاليف المقدرة بـ ١٢ مليار دولار تقع على عاتق الحكومة السورية التي لا تعلم كيف تؤمن أقل الحاجات الضرورية لشعبها بعد حرب ظالمة وقاسية كلفت فوق ٦٠٠ مليار دولار وسط سؤال: هل هذا يعني تزامناً مع تصريحات بايدن بتخفيف العقوبات فرض قروض من البنك الدولي لجرنا إلى القتل الدائم عبر برامج وخطط التوريط بالديون التي طالما رفضناها؟ وهل هذه النتائج هي للمقدمات التي مورست علينا؟ وهل لتدمير البنى التحتية واحتلال منابع الطاقة علاقة بهذا؟ وكيف نتحمل تكاليف عبور لمنتجات ستكون لدول أخرى بدلاً من كسب عوائد مرور وترانزيت.

إنها تعقيدات بسيطة وانكشافات للإرهاب العالمي وأسبابه.

وللفكر القادم للسيطرة على العالم.

إنها موجز عن القتل البشري والإنساني للقتل الاقتصادي واستمرار النهب والاستلاب الإمبريالي.

 

العدد 1102 - 03/4/2024