العلاقات الإنسانية جوهر الوجود الإنساني
ريم داود:
أراد أحد الآباء، بعد معاناة مع سلوك نجله وطباعه الفظّة وغير المرغوب بها، أن يعلّمه درساً في الحياة وحكمة عظيمة، فدعا ابنه إلى الحديقة وطلب منه أن يساعده في طلاء سورها، وبعد الاتفاق على اللون المناسب اختار الابن اللون الرمادي الفاتح، فترك الوالد له حرية القرار. وبعد جهد استغرق ساعات من العمل انتهى كلاهما من طلاء سور الحديقة، فكانت غاية في الجمال. وفي اليوم التالي أحضر الوالد مجموعة من المسامير ومطرقة طالباً من ابنه غرس المسامير كلها في سور الحديقة، فوجئ الابن من قرار والده، لكنه نفّذ المطلوب بعد إصرار الوالد، وما إن انتهى الولد من غرس تلك المسامير حتى طلب منه والده محاولة اقتلاعها، وعلى مضض اتجه الولد دون أن يفهم غاية والده نحو السور محاولاً اقتلاع ما غرسه من مسامير، لكن مشكلة واجهت ذلك الشاب أثناء عمله، فمعظم المسامير كانت تنكسر أثناء سحبها، ومعظمها الآخر كان يخرج تاركاً كسراً أو تشوّهاً في خشب ذلك السور. انتهى الشاب بعد معاناة طويلة من العمل وقدم لوالده ما استطاع إخراجه من المسامير، فاتجه بها الوالد نحو القمامة، ووسط ذهول وصدمة كبيرة من الشاب اتجه به والده نحو الحديقة ليعاينوا وضع السور، سائلاً إياه كيف ترى السور الآن يا عزيزي؟ أجاب الولد إنه مُكسّر ولا يصلح حتى أن يكون سوراً، لقد كان رائعاً يا أبي قبل أن تطلب مني غرس تلك المسامير. أجاب الوالد مبتسماً: وهكذا هي العلاقات الإنسانية يا بني، علينا أن نكون فيها حذرين، واعين، ومدركين أهمية هذه العلاقات وخطورة أن نستهين بمشاعر من حولنا من الناس وأحاسيسهم، كما علينا أن نفكر مليّاً قبل أن نغرس كلماتنا وردود أفعالنا في صدورهم.
- العلاقات الإنسانية: تُعدُّ العلاقات الإنسانية سمة موجودة بين شخصين أو أكثر، ويُستخدم هذا المفهوم للإشارة إلى العلاقات التي تنطوي على خلق جو من الثقة، والحب، والاحترام المتبادل، وتهدف العلاقات الإنسانية إلى رفع الروح المعنوية بين الناس وزيادة إنتاجهم الوظيفي، مع السعي لإشباع حاجاتهم النفسية. وقد أكّد (ألتون مايو) أن دراسة العلاقات الإنسانية تهدف إلى فهم السلوك الإنساني أولاً، ومن ثم تعديل ذلك السلوك وتحسينه. كما أوضح الدكتور سيد عبد الحميد مرسي في كتابه (العلاقات الإنسانية) المفاهيم الأساسية لهذه العلاقات والمكوّنة من الدوافع الفردية والجماعية، المفاهيم والمدركات الموجودة لدى الأفراد والتي تحكم الدوافع:
-السلطة في حال كانت هذه العلاقات تدور ضمن نطاق العمل.
-اتخاذ القرار وهو مرتبط بموضوع السلطة.
-الاتصال أو التواصل.
-القيادة، وتظهر ضمن مجال العمل.
-الروح المعنوية، ولها الدور الأكبر في التعريف بالعلاقات الإنسانية.
-الكرامة الإنسانية، إذ يسعى كل فرد منّا للحصول على احترام الآخرين وتقديرهم دون المساس بكرامته.
وسنُركّز في هذا المقال على سمتين هامتين، هما التواصل والكرامة الإنسانية.
- التواصل: يعاني كل فرد منّا ظروفاً تختلف عن الآخرين، وأوضاعاً تدفعه في كثير من الأحيان للاعتذار عن استقبالات، التزامات، حضور حفلات، أو حتى القيام ببعض الواجبات، ويلجأ الفرد فيها إلى التبرير والاعتذار طالباً الصفح والمسامحة، راجياً عدم إحراجه في كثير من الأحيان وقبول اعتذاره. لكن المؤسف في الأمر أنه لم يعد لهذه العبارات وقع على مسمع الغالبية، ممّا يزيد الوضع سوءاً بين الطرفين، ويؤدي بهما إلى الشجار والقطيعة أحياناً، والإشكالية الأكبر هي أننا لم نلتمس للآخرين عذراً مناسباً أو تبريراً كافياً.
أما أسباب هذه الإشكالية، فبرأيي تعود إلى عدم التواصل السليم الذي هو إحدى العمليات الأساسية في العلاقات الإنسانية، ويعرف بأنه عملية توصيل المعلومات وتبادل الفهم بين شخص وآخر، فالعلاقات الإنسانية معناها التواصل، وكل سوء في العلاقة هو سوء في التواصل، وبالتالي سيؤدي إلى علاقات إنسانية هشّة واهية وغير مكتملة.
- الكرامة الإنسانية: يعتبر الاحترام صفة ملازمة للإنسانية، فهو رأس القيم التي بُنيت عليها هذه العلاقات، سواء بين الأفراد أو بين الجماعات، فالاحترام والتقدير والحفاظ على كرامة الآخرين واجب إنساني ومطلب شخصي لكل فرد منّا، وعليه فإن هدف هذه العلاقات هو خلق جو من الراحة النفسية والاجتماعية بين الأشخاص، وإقامة علاقات جيدة بينهم مبنية على الود، والتفاهم، والمحبة لا الخصام، والقطيعة، والشجار، لذا لابدّ لنا من التحلي ببعض الخصال والصفات الإيجابية بعيداً عن السلوكيات السلبية، كما لابدّ لنا من خلق أعذار مناسبة لبعضنا البعض بعيداً عن الخصام والاقتتال، ولنجعل منها علاقات محبة ومودة ورحمة، فتتكرّس من خلالها الحياة الإنسانية في أبهى حلتها.