تقرير أولي عن حادثة التسرب النفطي من المحطة الحرارية في بانياس
الدكتور سامر غدير غدير * :
إن حادثة تسرب البقعة النفطية من خزانات المحطة الحرارية شكلت خطراً على المنظومة البيئية البحرية والمنطقة الشاطئية، حيث يتعرض النفط المتسرب إلى البيئة البحرية لعدة عمليات، كالانتشار على سطح المياه، وانجراف البقعة النفطية إلى أماكن بعيدة عن مصدر التلوث، والتبخر والانحلال، والأكسدة الضوئية، والتفكك الحيوي، وتشكل مستحلبات النفط في الماء التي تشكل ضراراً كبيراً للكائنات البحرية التي تعيش في العمود المائي، كما يمكن أن تتشكل مستحلبات نفط في الماء مما يؤدي لزيادة كمية النفط المتسرب، بسبب تغلغل كميات كبيرة من الماء ضمن البقعة النفطية. يقلل انتشار النفط من سماكة البقعة النفطية، بينما يرفع التبخر وتشكل المستحلبات من كثافة ولزوجة النفط المتبقي على سطح الماء.
أهم الآثار البيئية ما تحدثه من خطر على صعيد الحياة البحرية الموجودة في هذه المنطقة أو المتأثرة منها، وتشكل كذلك خللاً على صعيد كيمياء البحر، ويظهر هذا الخلل في عرقلة التحولات الكيميائية بين الشكل المؤكسد والشكل المرجع للعناصر والمركبات الكيميائية الرئيسة في البيئة البحرية، وهذا يشكل خطراً كبيراً على الأحياء بشكل مباشر وغير مباشر، وعلى العملية الإنتاجية الحيوية، كما تحدث خللاً في التوازنات الكيميائية الطبيعية التي تحصل في البيئة البحرية.
أما على صعيد الحياة البحرية والأحياء المتفاعلة معها، فيؤدي التلوث عند حدود السمية الحادة إلى نفوق جماعي للأحياء في المنطقة الملوثة، أما عند تراكم هذه الملوثات في الاحياء ضمن حدود التسمّم المزمن فيؤدي إلى خلل في التنوع البيولوجي وتعطيل عمل الغدد الصماء واضطرابات في وظيفة وخواص الأغشية عند الكائنات البحرية، وعلى النظام المناعي واللمفاوي عند بعض الكائنات البحرية، كما يؤثر على عملية التكاثر ونمو هذه الأحياء.
أما الإنسان فهذه الملوثات تساهم في زيادة الأمراض المناعية واضطرابات في الجهاز العصبي وزيادة في حدوث الطفرات الوراثية، إضافة إلى تشكيل السرطانات عند الإنسان كسرطان الجلد وغيره.
أما على صعيد معالجة البقع النفطية المتسربة فتتم المعالجة بعدة مراحل وبطرق مختلفة:
المرحلة الأولى وهي معالجة البقعة النفطية، وتحتاج إلى مواد وتجهيزات، وهذه المرحلة منوطة بمديرية الموانئ كونها تملك الكادر والتجهيزات اللازمة لمعالجة البقع النفطية في المياه البحرية، تستخدم بشكل عام تقنيات متعددة لإزالة النفط الطافي على سطح المياه تتفاوت فعاليتها تبعاً لكمية النفط المنتشر والظروف البيئية السائدة. يمكن تصنيف تقانات الاستجابة لحوادث التسرب النفطي في أربع مجموعات رئيسة: المعالجة الكيميائية باستخدام المشتتات الكيميائية التي لا يسمح باستخدامها في المياه القليلة العمق وفي المياه الشاطئية لخطرها الكبير على الكائنات البحرية، لأن هذه الطريقة لا تزيل النفط المتسرب بل ينتشر في العمود المائي ويعرض الكائنات التي تعيش في العمود المائي لخطر التلوث بالنفط. هناك أيضاً المعالجة الحرارية بحرق النفط الطافي على سطح المياه، والمعالجة الحيوية بإضافة المواد المغذية التي تعزز قدرة البكتيريا على تفكيك النفط، ويُنصح بها عادةً بالتسربات البسيطة للنفط، إضافة إلى المعالجة الميكانيكية التي ينصح بها كونها تزيل النفط من البيئة البحرية وتُجنب بذلك الأضرار الناجمة عن المعالجة الكيميائية والحرارية، وتستخدم لذلك وسائل متعددة كالحواجز النفطية لحصر النفط وتجميعه، والكاشطات والمضخات لإزالة النفط الطافي على سطح المياه.
إن وسائل المكافحة المذكورة سابقاً ذات فعالية ضعيفة في حالة الرياح القوية والأمواج العالية، ولا يمكن استخدامها في المناطق الشاطئية والمناطق قليلة العمق. يمكن استخدام المواد الماصة للنفط في تلك الظروف البيئية القاسية وفي المناطق التي لا يمكن للكاشطات الوصول إليها. يساعد إضافة المواد الماصة إلى منطقة التسرب النفطي على تحويل النفط من الحالة السائلة إلى الحالة شبه الصلبة، وبالتالي يمكن إزالته بسهولة عبر إزالة المواد الماصة المحملة بالنفط. تلعب الخواص المحبة للنفط والكارهة للماء دوراً في اختيار المواد الماصة للنفط، إضافة إلى القدرة الامتصاصية لهذه المواد ومدى مقدرتها على الاحتفاظ بالنفط الممتص ولا تتخلى عنه مرة أخرى أثناء إزالتها من مياه البحر، كما ينبغي أن تكون صديقة للبيئة ولا تحدث أضراراً بيئية في حال بقائها في الوسط البحري. يمكن تصنيف المواد الماصة في ثلاث مجموعات رئيسة:
– مواد عضوية طبيعية مثل الألياف الخشبية والتبن وألياف القطن، وهي مواد صديقة للبيئة ومقاومتها ضعيفة في البيئة وتمتاز بسعة امتصاصية جيدة وقدرة ضعيفة على الطفو.
– مواد لاعضوية طبيعية مثل البرليت والغرافيت، سعتها الامتصاصية جيدة ولكن هناك صعوبات في تطبيقها في الأجواء العاصفة لأن كثافتها النوعية منخفضة كما أن تحللها الحيوي بطيء.
– منتجات عضوية مصنعة مثل بولي بروبلين وبولي ايتلين التي تمتاز بسعة امتصاصية عالية وسهولة تطبيقها وإزالتها، ولها قدرة عالية على الطفو إلا أن تحللها الحيوي بطيء جداً.
عند حدوث تسرب نقطي لابد من مراقبة البقعة النفطية مراقبة دقيقة ودراسة حركة الرياح والأمواج لتحديد الجهة التي سوف تنتقل إليها البقعة النفطية ومعالجتها بالطرق المتاحة في مياه البحر قبل وصولها إلى الشاطئ أو إلى مناطق محصورة يصعب وصول سفن مكافحة النفط إليها، حيث يتم حصرها بالحواجز الطافية ومن ثم شفطها بمضخات شفط النفط أو باستخدام الكاشطات أو الماسحات النفطية أو على الأقل باستخدام المواد الماصة. ولابد أيضاً من حماية الشواطئ التي من المحتمل وصول البقعة النفطية إليها بالحواجز الطافية أو مواد جيلاتينية تغلف الشواطئ لمنع تلوثها. عندما لا تتم هذه الإجراءات سوف تتلوث الشواطئ وسيتحول الاهتمام نحو تنظيف الشواطئ المتضررة.
أما المرحلة الثانية فهي معالجة المتبقيات والآثار الموجودة، وهنا دور هام للمعهد العالي للبحوث البحرية، وقد ركز في أبحاثه على استخدام التقانة الحيوية البحرية لإزالة النفط من المياه البحرية، وكانت نتائج تجاربه متميزة وقد تجاوزت نسبة المعالجة 95 % وبالتالي حماية المنظومة البيئة وإعادة ترميمها، وقد أعدّ المعهد العالي للبحوث خطة تتضمن عدة مراحل، وستتم هذه العملية بالتعاون مع الهيئة العامة للثروة السمكية والأحياء المائية:
أولاً_ تقييم الواقع البيئي بعد معالجة البقعة النفطية من المرحلة الأولى، وذلك بجمع عينات من المنطقة الملوثة عينات (مياه ورسوبيات وأحياء بحرية) وتحليلها لتقييم الحالة البيئية التي وصلت إليها المنطقة بعد حادثة التسرب النفطي.
ثانيا تطبيق التقانة الحيوية البحرية في معالجة بقايا النفط في المياه.
ثالثا تقييم نهائي بعد عملية المعالجة الثانية وذلك بجمع عينات من المنطقة الملوثة عينات (مياه ورسوبيات وأحياء بحرية) وتحليلها.
- عميد المعهد العالي للبحوث البحرية