ثمارهم نضجت في المناخ المناسب

وعد حسون نصر:

ثمارهم نضجت في المناخ المناسب، نعم، إنه الشباب السوري الذي كبّلته وقيدته الظروف، لكنه بمجرد أن وجد المناخ المناسب أثمر وبحلو المذاق، فمن الطبيعي أن يحبط شبابنا داخل سور الوطن وخاصة في سنوات الحرب الشرسة التي لم تنطفئ بعد، فكيف لهم أن يبدعوا والحرب أحرقت أخضر حياتهم مع يابسها، ولم يعد من مقومات النجاح إلاّ جهدهم الفكري والعضلي على نور شمعة بعد أن تغيّبت الكهرباء كلياً وأضحت في حكم الغائب، ولا ننسى الدمار الذي أحاط بالمنشآت وخاصة المدارس وما بقي صامداً منها في منطقة آمنة بات مقراً لآلاف الطلاب، فمع هذا الكم الهائل هل يستطيع المعلم توجيه رسالته بطريقة واضحة؟ وهل يتلقى الطلاب هذه الرسالة بشكل مفهوم؟ حتى المختبرات فقدت أدواتها وانحصرت التجربة على الكلام المحكي دون أن تخضع للمجهر أو حتى النار والتفاعل، الكثير من الحواسيب باتت منقرضة وغير نافعة وكأنها قطعة خردة في غرفة المدرسة أو حتى المعمل أو قاعة المحاضرة في الجامعة، لا ننسى الكم الهائل من المعلومات التي يتلقاها التلميذ في كل المراحل والتي لا يقوم بحفظها سوى للنجاح فقط ونيل علامة كاملة دون فهم، فبمجرد أن يخرج من قاعة الامتحان تصبح هذه المعلومات غائبة عن فكره تماماً، فكيف لهم أن يبدعوا وهم تحت كل هذه الضغوط، من حرب إلى وباء إلى فقدان مقومات الحياة من كهرباء وماء ووقود تدفئة ووقود للمواصلات، كيف لهم أن يبدعوا ونصف الكادر التدريسي هاجر خارج البلاد ونصف المدارس باتت ركاماً، وحتى الكتب تبخرت نسبة كبيرة من معلوماتها، لذا تراهم يزهرون لكن خارج سور حديقتنا، فالماء وفير والشمس دافئة حالمة وحتى النحل معطاء والعصفور شجي جميعهم يبشرونهم بالنجاح ويحفزونهم على العطاء، فإذا بالموسيقا أبدعوا لأنها أغنتهم عن معادلات الحساب، وإذا درسوا اللغة كانوا سفراء لأنها لم تشغلهم بتجارب الفيزياء، وهذا يعني أن أفكارهم لم تنشغل بحشو المعلومات. لذلك ترى السوري مبدعاً بكل مراحل عمره خارج البلد حتى نساؤنا كانوا مبدعات خارج قيود وطننا، فبتنا نرى المُسنّة تحصل على الشهادات العليا وتبدع في الإنجازات كما كانت تبدع داخل وطنها بالطبخ والحلويات مع اختلاف نوع الإبداع المحاط بالعناية والمقومات لنجاحه، وهذا يعود لأن الظروف ساعدته ليعطي كل ما لديه بشغف وتعطش للنجاح. ولأننا مازلنا ضمن وطننا نسعى لنشغل أفكار أبنائنا بكم المعلومات متجاهلين الرغبة، ونحن جميعاً نسعى لنجعل من أبنائنا أطباء ومهندسين ومحامين وأيضاً فنانين عازفين ورسامين ومغنين في آن واحد، نُحمّلهم ما ليس بوسعهم ونضاعف ضغوطهم فوق ضغوط الحياة وتردّي الخدمات، فإذا أردنا أن ننهض ببلدنا من جديد علينا أن نعطي الجيل حقه في الإبداع ضمن شروط ملائمة ومناخ مناسب، من كهرباء إلى مختبر إلى معلومات حتى الموسيقى لا تبخلوا بها فهي صفاء الروح لتزهر بالعطاء والنجاح.

العدد 1104 - 24/4/2024