نستحقُّ حياةً بألوان قوس قزح
إيناس ونوس:
مثلما تحتاجُ النَّبتةُ إلى تربةٍ صالحةٍ وتغذيةٍ سليمةٍ ومناخٍ مناسبٍ ورعايةٍ واهتمامٍ كي تنمو وتكبر، يحتاج الإنسان ولاسيما الطِّفل لوجود العناصر ذاتِها كي يتفوَّقَ ويتميَّزَ ويتألَّق، فيعطي النَّتائج المرجوَّة منه، وتتلخَّص هذه العناصر بوجود بنيةٍ تحتيَّةٍ تعتبر الأساس المتين واللَّبنة الأولى التي تقوم عليها باقي العناصر.
يعدُّ البيت أوَّل مقوِّمات هذه البنية، فوجود والدَين مهتمَّين مدركَين لأهمية مهامهما الأبوية والتَّربوية، إضافةً إلى توافر علاقةٍ أسريةٍ أساسها المحبَّة والاحترام وامتلاك القدرة على سبرِ أغوار الأبناء واكتشاف مكنوناتهم، هو ما يجعل الطِّفل ينشأ بشخصيةٍ متوازنة، طموحة، حاملةٍ للمسؤولية، وقادرةٍ على تحديد خياراتها المستقبلية.. وهذا ما يؤسِّس لتشكيل مجتمعٍ متكاملٍ واعٍ مدركٍ لأهمية بناة المستقبل وضرورة تكوينهم بالشَّكل الصَّحيح، ما يجعلهم قادرين لاحقاً على أن يردُّوا له الصَّنيع ويقدِّموا له كلَّ ما يمتلكونه من مؤهِّلاتٍ وخبراتٍ وقدرات، الأمر الذي يجعل التَّطوُّر والازدهار يعمُّ الجميع دون استثناء.
هذه العناصر التي يُفترض أن تتوافر في أي مجتمعٍ أو بلدٍ يهتمُّ به المسؤولون عنه، ويمتلكون القناعة التَّامة بخدمته بالشَّكل الأنسب الذي يصبُّ في الصَّالح العام. غير أنَّ كلَّ ما سبق أن ذُكر_ للأسف الشَّديد_ نفتقده جميعنا في مجتمعاتٍ كمجتمعنا السُّوري حالياً، ما أوصل أطفالنا الذين بقوا في الدَّاخل إلى فقدانهم الحلم بالمستقبل، بينما وجده أولئك الذين أتيحت لهم الفرصة وتوزَّعوا هنا وهناك في دول اللُّجوء، ما يؤكِّد أنَّ أطفالنا كغيرهم من أطفال العالم المتحضِّر، حينما تُتاح لهم المؤهِّلات والإمكانيات نراهم يبرعون هنا وهناك، وينجحون، ومنهم من يتفوق على أقرانه وبجدارة.
ما يزيد اللَّوعة في قلوبنا كآباء وأمَّهاتٍ ومربِّين أنَّنا نعيش واقعاً بات أكثر من مزرٍ على الرَّغم من كلِّ محاولات المنظَّمات والهيئات الدَّولية لأن تمدَّ لنا يد العون في بعض المجالات لاسيما التَّربوية أو الصِّحية أو التَّنموية، وبالرَّغم من كلِّ المحاولات الفردية أو الجماعية التي يقوم بها من يعنيهم هذا البلد من أبنائه الشُّرفاء الرَّاغبين بالعيش فيه أحراراً غير أذلَّاء، بينما لا يزال مسؤولونا قابعين خلف مكاتبهم ومصالحهم، يعقدون الاتفاقيات مع المنظَّمات الدَّولية مدركين أنَّها ستبقى حبراً على ورق، غير آبهين بأنَّها لن ترَ النور أبداً، كلُّ همِّهم أن تُوقَّعَ تلك الاتفاقيات كصفقاتٍ ليصلوا إلى مبتغاهم الشَّخصي فقط ليس غير، فهم على درايةٍ بالواقع المرعب المرِّ الذي أوصلونا إليه من انحدارٍ بالتَّعليم والتَّربية في مختلف مراحلهما، إضافةً إلى تردِّي الوضع الصِّحيِّ والوضع المعيشي، وفوق كلِّ ذلك انتشار الجرائم والانحلال الأخلاقي والقيمي الذي يساهم يوماً بعد يوم بتدهور المجتمع ككلّ، مدعوماً بتبلور فكرٍ مجتمعيٍّ ينحو نحو الأنانية وإعلاء شأن الأنا الفردية ومصلحتها على مصلحة الجماعة، وهذا ينطلق من البيت الصَّغير ليشمل المجتمع كلَّهُ وبمختلف نواحي الحياة، ومن هنا نجد أنَّ الآثار السَّلبية تتراكم بعضها فوق بعض، ولم يبقَ لنا بصيصٌ بسيطٌ للأمل بأن نخرج من هذه البوتقة التي نزداد غرقاً فيها يوماً بعد آخر.
أليس من حقِّ أطفالنا الذين ولدوا تحت القصف والموت والدَّمار أن يروا النُّور يوماً قبل أن يكبروا ويتحوَّلوا إلى مجرمين أو متسولين أو لصوص حياة؟
أما آن لهذا البلد أن يحيا بعضاً من الوقت تحت أشعة الشَّمس وألوان قوس قزح؟؟ أم أن السَّواد القاتم قدِّر على كل من رفض أن يترك هذه الأرض رغبةً منه بأن يراها ذات صباحٍ ملوَّنةً بألوان الحياة الزَّاهية الحقيقية؟!