السعادة امتلاك للفضيلة أم تأمين حاجات ودوافع؟

ريم داود نخلة:

جاء في إحدى الأساطير القديمة أن إبليس أقام وليمة للشياطين كي يبحثوا عن طريقة يخفوا بها أغلى ما يبحث عنه الإنسان طوال سنوات حياته، وخلال هذا الاجتماع اقترحت شيطانة شمطاء أن يخفوا عن الإنسان سعادته قائلة: ما رأيكم أن نسرق من الإنسان سعادته؟ وبعد الموافقة على هذا الاقتراح جرى جدل كبير بينهم حول المكان الذي سيخفون فيه هذه السعادة، فردّت تلك الشيطانة واقترحت ان تخبأ السعادة في أعماق قلبه، وهكذا سيبحث عنها في الثروة ولن يجدها، وسيبحث عنها في السلطة ولن يجدها، وفي الشهرة والجنس والألعاب ولن يجدها لأنها ستكون مخبأة داخله وليست خارجه.

يختلف الناس في طباعهم وآرائهم وأفكارهم كما تختلف نظرتهم إلى مفهوم السعادة، فمنهم من يجدها في الثراء والعيش الوفير، ومنهم من يجدها في الإنجاز والنجاح والتفوق، في حين يراها البعض في التسوق واقتناء كل جديد.

 

من وجهة نظر الفلسفة

اختلف الفلاسفة في تعريفهم لمفهوم الفلسفة فـ (أفلاطون) يرى أنها تتحقق في فضائل النفس كالعفة والعدل، مؤكداً في كتابه (الجمهورية) أن أولئك الأخلاقيين وحدهم من يكونون سعداء، وأن هناك نوعاً من السعادة ينبع من العدالة الاجتماعية المترتبة على أداء الإنسان لوظيفته الاجتماعية.

(القديس أوغسطينوس) وجد أن السعادة تتجلى في المحبة، وأن المشكلة الأساسية التي تواجه البشر هي المحبة في غير موضعها، وأن على الإنسانية أن تعود إلى الرب من حيث أتت، وبذلك نجده يؤكد ضرورة تأمل العالم المعقول.

(ابن سينا) يقر بأن النفس البشرية يمكنها أن تصل إلى السعادة السامية من خلال تحليها بالفضيلة والخير المطلق والجمال الحقيقي.

 

في علم النفس

اهتم علماء النفس بدراسة مفهوم السعادة وأثرها على النفس البشرية، وحددوا مجموعة من العوامل التي تمكن الفرد من العيش بسعادة كالرضا العام، إشباع الرغبات، تحقيق الطموحات، توظيف القدرات، وقبول الذات، وبالتالي فإن السعادة ناتجة من وجهة نظر علم النفس عن مشاعر سارة فيها الكثير من الفرح والانبساط، كما أنها حالة فردية، فالإنسان وحده من يقرر سعادته من تعاسته. وقد بحث الدارسون في علم النفس جوانب عديدة لها علاقة أو تأثير على سعادة الإنسان منها:

– الدعم الاجتماعي.

– الذكاء الاجتماعي والذكاء الوجداني.

– الفضيلة.

– تقدير النفس والثقة بالنفس.

وقد أشار (مارتن سيلجمان) إلى أن مجرد التركيز في علم النفس على الاضطرابات والمشاكل والأمراض النفسية يعدّ نظرة قاصرة لعلم النفس، فعلم النفس ليس مجرد دراسة لأمراض واضطرابات إنما هو جانب قوي للكشف عن النقاط الإيجابية والقوية التي تدفع بالإنسان نحو السعادة.

وعليه فإن السعادة تعتبر مؤشراً هاماً من المؤشرات الأساسية للتكيف والصحة النفسية والقدرة على التأثير في البيئة.

وقد أكدت (مايسة النيال) أن أرقى ما يمكن أن يبلغه المرء بجهده هو الوصول إلى الشعور بالسعادة، إذ إنها قمة مطالب الحياة الإنسانية، وفي دراسة أجريت عام ٢٠٠٢ (cheng&furnhmman) حول مدى العلاقة والارتباط بين السعاد والثقة بالنفس تبيّن أن الأشخاص السعداء هم أكثر ثقة بأنفسهم، كما أنهم يمتلكون القدرة على حل مشاكلهم بطرق أفضل والتكيف مع المحيط بشكل أمثل، وفي هذا الصدد أكد (مارتن سيلجمان) أن علم النفس الإيجابي يهدف إلى إبراز الإيجابيات لدى الإنسان كالمشاعر الإيجابية المترجمة بالفرح والسعادة والأمل ودراسة العواطف والسلوكيات التي تهدف في نهاية المطاف لنيل السعادة، وعليه يوضح علم النفس الإيجابي مسارات ثلاثة لنظرية السعادة الحقيقية:

  • المتعة: يُنظر إلى الفرد الذي يعيش حياة من المتعة بأنه يزيد من مشاعره الإيجابية ويقلل السلبية.
  • المشاركة: من خلالها يقوم الإنسان بأنشطة تساهم في استمراريته بالتدفق والانخراط الذي يمكّنه من تحديد نقاطه الإيجابية.
  • المعنى: الفرد الذي يعيش حياة ذات معنى من الانتماء لأسرة، وطن، عمل، دين أو مجتمع ما يعيش حالة من الإشباع والمشاركة تمكنه من إظهار نقاط القوة.

وكتلخيص لما ذُكر نجد أن مفهوم السعادة مفهوم شخصي فردي كما أنه شعور نسبي يختلف من شخص إلى آخر، إلا أن ما يمكن الإجماع عليه هو أن هذه المشاعر لا يتحقق الوصول إليها إلا من خلال إشباع الحاجات والدوافع الأساسية للإنسان والمتمثلة في:

*الحاجات الفيزيولوجية (كالطعام والشراب والمسكن).

*الحاجات الاجتماعية (كالحب والتفاعل والانتماء).

*الحاجات النفسية (كالاحترام وتقدير الذات وتوكيدها).

 

العدد 1102 - 03/4/2024