افتتاح المدارس وقرارات جديدة تلوح في الأفق

يارا بالي:

عشر سنوات مرّت على الحرب السورية والأزمات جميعها إلى ازدياد.. عشر سنوات أثقلت، واستنزفت، وأنهكت كل القوى.. عشر سنوات وصل فيها الصبر إلى منتهاه، وبات الانتظار حالة متواصلة يحياها السوريّ اليوم في كل تفاصيل عيشه.. ينتظر الكهرباء، والماء، ودور الخبز، ورسالة الغاز، والتموين، والبنزين_ إذا كان مرفّهاً وامتلك آلية نقل تخدمه. فالانتظار اليوم لم يترك باباً إلاّ وطرقه، ولا فئة من المجتمع إلاّ وكان فيها مقيماً. هذا حال المواطن حالياً في فوضى الهموم يعاني، والغلاء يطارده من كل الاتجاهات، وككل عام يُطلُّ أيلول، ويعود الموسم المدرسي، حاملاً معه مزيداً من الضغوط، معلناً افتتاح المدارس.. لكن الافتتاح هذا العام لم يكن كالمعتاد، فقد جاء مختلفاً، إذ صرّح وزير التربية والتعليم د. دارم الطباع عن عزم الوزارة إضافة جملة تغييرات في الأسلوب التعليمي، كان أهمها إضافة التعليم الوجداني والاجتماعي إلى المناهج لمرحلة التعليم الأساسي حتى الصفّ الثامن، وستكون وفق أربعة محاور هي: المهارات الحياتية، المشروعات، المبادرات، التربية المهنية، وستُعطى بمعدل حصتين أسبوعياً، تتضمن جانباً نظرياً وآخر تطبيقياً لا صفياً. هذه المادة تعد خطوة جديدة كل الجدّة على الكادر التعليمي وعلى الطلبة على حدٍّ سواء، حاول د. دارم كشف غموضها بكلمة قال فيها:

(تُعدُّ الأنشطة اللا صفية اليوم مطلباً أساسياً من مطالب التعليم المبني على تنمية الجانب الوجداني الاجتماعي لدى المتعلم، وبالتالي فهي تلبي حاجة المتعلمين وترضي شغفهم لكسب المعرفة وكسر روتين اليوم المدرسي. من هنا كان لابدّ من الاهتمام بهذا الجانب التعليمي وتوضيح أهميته وتشجيع المُنَشْطيْن المشرفين على تنفيذه والقيام به بشكل مدروس بما يحقق الغايات المنشودة. والأنشطة اللاصفية تقوم أساساً على جعل المتعلم يكتشف المعرفة بنفسه، ويبني خبراته معتمداً على المكتسبات السابقة، فيُعمّق فهمه وينمّي مهاراته فيتعلم ويكتشف العالم، ويكتشف ذاته أكثر فأكثر، وتظهر مواهبه عندما يشارك فيها بفاعلية).

وهنا يبقى السؤال الأهم في غموض هذا المحتوى التعليمي الجديد: إلى أي مدى ستستطيع كوادر المدارس من مدرّسين وطلبة فهم محتواه والتفاعل معه بالشكل الصحيح لتحقيق الغاية المنشودة، ولاسيما وسط ضياع التدريب والتأهيل المطلوب في صفوف الأساتذة، فضلاً عن أن البنية التحتية للمدارس لا تعد جاهزة لخطوة ضخمة كهذه، خطوة في الغالب ستزيد الضغط على الطلبة والمعلمين بأخذها من الوقت الذي كان في السابق للحصص التعليمية الصفية.

ومن القرارات الجديدة التي جاءت على منوال سابقها، قرار مَسرَحة المناهج، التي وضعتها وزارة التربية بالتعاون مع منظمة طلائع البعث قيد التنفيذ.. مسرحة المناهج القائمة على أخذ أي محتوى علمي لأي مادة في المنهاج، وربطها بقيمة حياتية، وسط قالب درامي مسرحي أبطاله طلبة الصف، بهدف تبسيط الفكرة التعليمية وتسهيل وصولها وفهمها، إضافة إلى مد الجسور بين المادة النظرية والواقع العملي، بأسلوب شيّق جذاب بعيد كل البعد عن الحالة التلقينية المباشرة في إيصال المعلومة، وهذا كله استناداً إلى نظريات ودراسات أكّدت أن إدخال المسرح في التعلّم قادر على شدّ عدة ذكاءات للطفل وتفعيلها بأفضل حدّ. قرار كهذا يُعدُّ خطوة عظيمة للخروج من الروتين والتلقين النمطي في التدريس، ليصبح بها الدرس التقليدي حالة من التدريب والتشارك التفاعلي.. ولكن إذا ما نظرنا إلى القرار من كل جهاته، سنجد فيه الكثير من السلبيات، لعلّ أعظمها عدم قدرته على أخذ كامل المحتوى التعليمي للدرس، أو المنهاج ككل، ووضعه في حالة درامية تخدمه، إضافة إلى الفقر الواضح في الكوادر المدَرَبة القادرة على إنجاح هذا القرار، فضلاً عن الحاجة إلى أدوات مسرحية من ملابس وما إلى ذلك من أساسيات تخدم الحبكة الدرامية، كما أن مسرحة المناهج تحتاج إلى وقت إضافي يضاف إلى الحصة الدرسية، لتصبح كافية لإنجاز المادة العلمية وتمثيلها معاً. وفي الإطار العام، لم يتربَ أطفال المجتمع في سورية على ثقافة المسرح وسحر الخشبة، فنحن نفتقر للبيئة الحاضنة لأفكاره الداعمة للخيال والإبداع.

وفي آخر وقفة للمستجدات الوزارية لهذا العام، يُذكر أنّه جرى تغيير المناهج الدراسية لمواد اللغة الأجنبية، فقد طُبع منهاج سلاسل اللغات الأجنبية الإنكليزية والفرنسية (كتاب وأنشطة) لجميع صفوف مرحلة التعليم الأساسي، ومرحلة التعليم الثانوي العلمي والأدبي، وكتاب الفرنسي (كتاب وأنشطة) لجميع صفوف مرحلة التعليم الأساسي السابع والثامن والتاسع، ومرحلة التعليم الثانوي العلمي والأدبي، وكتاب التربية الوطنية للصف الثالث الثانوي العام، والتربية الدينية المسيحية للصفوف التاسع الأساسي، والثاني والثالث الثانوي العام، وبعض كتب التعليم الثانوي المهني والتقني والمعاهد. على أمل التحسّن في المادة العلمية للنسخ الجديدة والمطورة للمنهاج، وتقليل الكثافة فيها.

العدد 1104 - 24/4/2024