التعليم يُهدِّده عزرائيل الفقر

وعد حسون نصر:

في ظلّ الظروف الصعبة التي تمرُّ بها البلاد، هل سنصل إلى يومٍ نرى فيه شهادات إتمام مراحل التعليم والتخرج توزّع فقط على أبناء أصحاب الطرابيش كما كنّا نراها زمن الباشاوات؟؟ مع الغلاء الفاحش وقلّة الدخل، هل سيصبح العلم والتعلّم للنخبة وأبنائهم!؟ كثيرون اليوم يقفون عاجزين أمام الغلاء وخاصة في موسم المدارس المترافق مع موسم المؤونة والانتقال لفصل الشتاء وما يترتب عليه من مصاريف إضافية من تدفئة ولباس وما شابه، فالارتفاع الباهظ بالأسعار جعل شريحة كبيرة تقف صامته وحائرة أمام عناء الشراء وخاصة أرباب العائلات المؤلفة من ثلاثة أبناء وما فوق، إذ إن سعر اللباس المدرسي يعادل راتب موظف طيلة شهر عمل كامل، أيضاً القرطاسية أسعارها خيالية، وكذلك الأحذية والحقائب، والغالبية لا حول لها ولا قوة، لابدّ من الاستسلام لهذا الغلاء لتأمين حاجات الأطفال ودخولهم عامهم الدراسي الجديد، وأقلُّ ما يمكن أن تكون الأساسيات في حوزتهم للاستمرار بأسس التعليم. الموظفون وصغار الكسبة وحتى صاحب المحل التجاري الذي لا يملك سوى محله كمصدر للرزق، من أين يا ترى سوف يتمكّن من شراء حاجات أبنائه لعامهم الدراسي؟؟

هذه معاناة كل عام، مع فارق بزيادة العبء عاماً بعد عام للمصاريف الإضافية والغلاء المستمر والدخل القليل، هذا الأمر مشكلة نخشى أن تسير بنا نحو الجهل، فنسقط بهاوية الظلام مع فقدان شريحة كبيرة إمكانية التعلم بسبب سوء الأحوال الاقتصادية، وهنا فعلاً سيقتصر التعليم على النخبة من أهل البلاط، لذلك علينا جميعاً أن نقف بوجه عزرائيل العقول لكيلا يموت الفكر لدى الطبقة الفقيرة فتنعدم وتموت في المجتمع رغم أنها على قيد الحياة.

بالتأكيد، هذه مسؤولية الحكومة من خلال مؤسساتها التربوية والاجتماعية والإنسانية، وكذلك المجتمع المدني المحلي من خلال العمل على إحصائيات بين الطلبة لمعرفة ظروفهم ومن المعيل للأسرة وكم عدد الأبناء في المدارس للتمكّن من مساعدة شخص من الأسرة ليتمكّن من إتمام تحصيله العلمي وخاصة إذا كان من المتفوقين وطلاب العلم، مع الأخذ باعتبار أنه إذا تمكن البعض من المجتمع المحلي من أصحاب الوضع الاقتصادي الممتاز التبرّع لمدرسة الحي أو الضيعة أو البلدة بقرطاسية يمكن أن نتلافى مشكلة التسرب المدرسي بين الأطفال واضطرارهم للعمل لسدِّ حاجتهم الدراسية، حتى من خلال وزارة التربية ومديرياتها في المحافظات يمكن إجراء إحصائيات من قبل السلك التعليمي بين الطلاب في مدارسهم لمعرفة من هو بحاجة ماسّة لإتمام مرحلة تعليمه الأساسية، وإعانته من خلال تقديم لوازم الدراسة، وهنا نتمكّن من وقف تفشي الجهل بذريعة الفقر وعدم القدرة على طلب العلم مع تردي الوضع المادي. لذا أنقذوا ما تبقى من عقول أبنائنا بالتعاون بين المجتمع لكيلا يصبح العلم حصراً لأصحاب الطرابيش، فنحن خرجنا من حرب رحى عجلاتها مازالت للآن تدور وتدوس الجميع بالتحالف مع وباء فقد أبناؤنا نتيجته فصلين دراسيين وضاعت المعلومات في زحمة الفقر والجهل وشحّ التعليم.

لذا لملموا ما تبقى من معلومات في عقول أبنائنا واصنعوا منها جسراً لعبورهم مرحلة جديدة من العلم، فنحن في زمن نحتاج فيه أن ننطلق من الألف إلى الياء ونقف بكل مراحله حتى لا نسقط في هاوية الجهل بعد أن أضحى نصف الجيل خارج مقاعد الدراسة بسبب الحرب والوباء وما نتج عنهما من فقر بسبب الحصار والغلاء وفقدانهم الأساسيات. ولنتعاون جميعاً كلٌّ حسب مقدرته حتى لا نصنع من بلادنا مستنقعاً ساكناً مغلقاً على قذاراته بعيداً عن الحضارة، فالعلم للجميع وليس للنخبة فقط، فكم من شاعر وأديب وطبيب ومسؤول وقائد خرج من بيئة فقيرة وصنع المجد، لكن هناك من كان المجد لنفسه والقليل كان لبلده، فلنعكس النظرية ليصبح المجد للبلد والراحة والثقة لنفوسنا لأننا بعلمنا وجهدنا نبني البلاد.

العدد 1102 - 03/4/2024