الجريمة بين فعل واضطراب في الشخصية

ريم داود:

يواجه العالم تحديات كبيرة تتمثل بالفقر والعوز فضلاً عن المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تلعب دوراً كبيراً في تلك التحديات. أخبار ومعلومات تغزو مواقع التواصل الاجتماعي متصدرة الصحف والمجلات، والهدف منها نشر معلومات وحقائق عن ملابسات جريمة ما حصلت في مكان ما، فمع التطورات الحاصلة والتداعيات الواقعة شهد العالم أشكالاً متعددة للجريمة كالقتل، الاغتصاب، الخطف، الاتجار بالبشر، السرقة، وآخرها الجريمة الالكترونية.

أنواع الجرائم: لقد عمل الباحثون على تقسيم الجرائم إلى أنواع من خلال تصنيفها بحسب الدافع والباعث الذي أدى إليها من مثل:

الجرائم اقتصادية: ويقصد بها الواقعة على المال العام أو الاقتصاد الوطني كالتزوير، الاختلاس، الرشوة، الاحتيال، والغش في نوع البضاعة.

الجرائم الجنسية: كالاتجار بالجنس، الاغتصاب، استغلال الأطفال، العنف الجنسي والتحرّش.

الجرائم السياسية: وقسمت حسب المذهب الشخصي، أي حسب الدافع الشخصي للمجرم وحسب المذهب الموضوعي، أي حسب الضرر الذي لحق بالمعتدى عليه.

لكن مع البحث والدراسات العميقة في واقع الجريمة، ونتيجة للاختلاف في طبيعة الجرم وطريقة تنفيذه وجد الباحثون أنه لابدّ أن يتم تقسيم المجرمين أنفسهم بدلاً من تقسيم الجرائم، فجاء التقسيم على الشكل التالي:

 -مجرمون بحسب عامل الجريمة: كالمجرم المحترف، المجرم بالمصادفة أو العرضي، المجرم بالعاطفة.

-مجرمون بحسب العوامل النفسية: كالذهاني، الفصامي، العصابي، والسيكوباتي.

وعليه، فإننا نلاحظ وبشكل ملموس ازدياداً واضحاً وانتشاراً واسعاً بمعدل الجرائم محلياً وعالمياً، فما السبب الكامن خلف ذلك؟

إن مفهوم الجريمة بحد ذاته يعبّر عن خلل واضطراب في العلاقات الاجتماعية والسلوك العام، فيأتي الجرم نتيجة لصراع واضطراب في السلوك الفردي، وقد أكدت نظرية (الضبط الاجتماعي) في هذا الصدد أهمية التناسق والتناغم والاتساق في شخصية الأفراد، وأن هذا الضبط يعمل بشكل مستمر على تهذيب السلوك وتعزيز الايجابي منه، وإن عدم الانتظام يؤدي إلى صراعات وتوترات. كما أكدت هذه النظرية على أهمية الضبط الذاتي مشيرة إلى أن الأشخاص الذين يمتلكون ضبطاً ذاتياً مرتفعاً هم أقل ميلاً لارتكاب الجرم مقارنة بالذي يمتلكون ضبطاً ذاتياً منخفضاً

أما عن الآثار السلبية التي تخلفها الجرائم فقد تبين أنها تعمل على زعزعة الأمن والاستقرار داخل المجتمع والحد من التطور والاستمرار فيه، كذلك تؤدي إلى القضاء على مستقبل الجاني والمجني عليه. وليس خافياً على أحد أن هذا السلوك المنحرف ناتج بالضرورة عن البيئة الاجتماعية التي ينتمي إليها الشخص، وهذا ما تم طرحه في علم الجريمة من خلال نظرية (التحكم الاجتماعي) التي تعتمد على عمليتي التنشئة الاجتماعية والتعليم الاجتماعي اللذين يلعبان دوراً كبيراً في ضبط النفس والتقليل من استعداد الفرد للمشاركة في السلوكيات المعادية، مؤكدين ومثبتين أن للعوامل الاجتماعية دوراً كبيراً في انحراف السلوك الإنساني وميله إلى ارتكاب الجرائم بمختلف أنواعها، ونقصد بالعوامل الاجتماعية المحيط الاجتماعي للفرد المتمثل بالأسرة، المدرسة وجماعة الأقران:

 دور الأسرة: التي يستمد الفرد منها أساسيات التربية، فالاضطرابات التي تعيشها الأسرة من خلافات مستمرة وعنف مزمن يشكل مناخاً من التوتر والصراع داخلها ينعكس بشكل واضح على الأطفال، فضلاً عن الإهمال وغياب الضوابط وعدم التوافق النفسي والاجتماعي لكلا الأبوين.

دور المدرسة: التي تحتل المرتبة الثانية في حياة الطفل وتكوين شخصيته وتحديد اتجاهاته ومصيره بكونه عضواً فاعلاً في المجتمع، كما تلعب المدرسة دوراً أساسياً في تكوين فكر الطفل وعقله، وبالمختصر تُعتبر المدرسة البيئة التي تجعل من الطفل شخصاً واعياً مستقيماً مستقلاً بذاته واتجاهاته، أو تقوده نحو الهاوية، فالمدرسة تبني النفس والذات.

دور جماعة الأقران: من المؤكد أن الإنسان لا يستطيع العيش بمفرده لأنه كائن اجتماعي، فهو يحتاج إلى العلاقات التفاعلية والتشاركية، لذا وجب على الأسرة العمل بجد والتزام في ضمان جماعة أقران متزنة سليمة وسوية تتميّز بامتلاكها للقيم والضوابط الاجتماعية، على أمل أن تسعى الحكومات المعنية إلى تخفيف حدة البطالة والفقر جاهدين في القضاء على ظاهرة أطفال الشوارع وإعادة دمجهم في المجتمع، مع العمل على الارتقاء بالمستوى الفكري والثقافي والتخفيف من الضغوطات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي أثقلت كاهل المواطنين.

العدد 1104 - 24/4/2024