ما أشبه اليوم بالأمس!

بشار المنيّر:

أليست مفارقة أن هموم الاقتصاد الوطني والقوى المنتجة والفئات الفقيرة والمتوسطة، وفي مقدمتها الطبقة العاملة والفلاحون الفقراء، مازالت تعاني الهموم ذاتها منذ عشر سنوات، رغم دروس الانهيار الاقتصادي الكبير في خريف 2008، والعبر التي أفرزتها مقدمات الأزمة والغزو الإرهابي لبلادنا؟!

هذا بعض ما كتبناه في عام 2010، فما الذي تغيّر؟

مازال العاملون والمنتجون.. يعانون، ومازال الطفيليون يحصدون…

 

بعضهم يُسيطر.. والآخرون يتلقَّون الوعود؟!

أصبحت سيطرة الرأسمالية السورية (الحديثة) والقطاع الخاص التجاري والعقاري على المفاصل الرئيسية للاقتصاد السوري أمراً واقعاً، ومع تراجع دور النفط، وانسحاب الدولة التدريجي من أداء دورها في عمليات الإنتاج، ودخول الاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية إلى المرافق التي كانت فيما مضى حكراً على الدولة كالكهرباء والمياه والاتصالات، نتوقع سيطرة شاملة لممثلي الرأسمال السوري على جميع فروع الاقتصاد.

 

سيطرة شاملة

خلال عشر سنوات أُطلقت حرية النشاط الاقتصادي، وأُزيلت كل المعوقات التشريعية والإدارية التي تكونت تاريخياً بفعل السياسات الاقتصادية القائمة على ملكية الدولة والتخطيط المركزي، وخلال فترة وجيزة جرت تهيئة الأرضية التشريعية التي تنظم.. وتضمن حرية ممارسة النشاط الاقتصادي بكل أشكاله وفق اقتصاد السوق، وقد تحقق الكثير في هذا المجال بدءاً من قوانين الاستثمار، والسماح بتأسيس المصارف وشركات التأمين الخاصة، مروراً بتحفيز النشاط الاقتصادي عن طريق تخفيض العبء الضريبي على الأرباح وتخفيض الرسوم الجمركية على المستوردات، وانتهاءً بتحرير التجارة وإلغاء القيود على حرية تداول القطع الأجنبي وتحويله إلى الداخل والخارج، إضافة إلى العديد من التشريعات التي وعدت الحكومة رجال الأعمال بإصدارها  مستقبلاً استكمالاً لضمان دوران عجلة اقتصاد السوق، وهكذا ارتفعت مساهمة القطاع الخاص ورجال المال والأعمال في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة من 63.4 % عام 2005،إلى 70 % عام 2009، وأصبح يسيطر على 75 % من قطاع الصناعة (عدا النفط) و85 % من النشاط التجاري .

هل نستنتج مما سبق أن الفئات الشعبية الفقيرة والمتوسطة هُزمت؟ نسارع إلى الإجابة إنها اقتربت من الهزيمة، في ظل هيمنة أفكار الليبرالية الاقتصادية على بعض من يتولون عملية الإصلاح الاقتصادي في البلاد، إذ تبين بشكل جليّ أن رؤية بعض مدبري الاقتصاد السوري الحاليين تتلخص في  التملص من مبادئ الإصلاح الاقتصادي الذي بدأ عام 2000 على قاعدة التعددية والمشاركة مع القطاع الخاص المنتج من جهة، واستمرار  الدور الاجتماعي والرعائي للدولة من جهة ثانية، وهذه الرؤية لا تسعى  إلى إعادة هيكلة فروع الإنتاج الوطني وتحديثها وتطويرها لتحقق طموحات الشعب في الزمن الصعب الذي اتسم بالتحولات العاصفة وثورة المعلومات وعولمة الاقتصاد، بل تهدف إلى الاكتفاء بوصفة قديمة جديدة هي ترك الأمر للسوق، ولآليات السوق.

ترافق كل ذلك مع انحسار دور القطاع العام الصناعي والخدمي، وعدم وجود نية جدية لدى مسؤولي الاقتصاد لمعالجة أزمات هذا القطاع الذي كان فيما مضى قطاعاً رائداً، كما ترافق مع انحسار تدريجي لدور النقابات المهنية الكبرى، وخاصة الاتحاد العام لنقابات العمال الممثل الرسمي للطبقة العاملة السورية التي يتجاوز عددها أربعة ملايين عامل، وبرز هذا الانحسار بشكل جليّ بعد تعديل قانون العمل الجديد، وإقرار مبدأ التسريح غير المبرر. فاتحاد النقابات يعتمد مبدأ النقابية السياسية، لكنه وجد نفسه الآن بمواجهة مع أرباب العمل الذين يسيطرون على مواقع الإنتاج المختلفة، مما يعني ضرورة العودة إلى النضال المطلبي للدفاع عن مصالح الطبقة التي يمثلها.

وهكذا أصبحت مكاسب الرأسمالية السورية (الحديثة) أمراً واقعاً، أما هموم المنتجين الصناعيين والزراعيين ومشكلاتهم وأزماتهم المتمثلة بالانفتاح قبل تمكين الاقتصاد الوطني، ومعضلات الفئات الفقيرة والمتوسطة، والتي تتلخص بانخفاض الأجور.. والبطالة.. والفقر فتُرحَّل من خطة خمسية إلى أخرى، وتدخل في باب الوعود التي يقطعها هذا المسؤول الاقتصادي أو ذاك بعد استكمال إنجاز متطلبات السوق.

 

أبرز الوعود

أما أشهر وعد تلقته الفئات الشعبية من مسؤولي الاقتصاد في البلاد مؤخراً، وأكثرها وضوحاً، فجاء على لسان السيد النائب الاقتصادي في كلمته أمام المؤتمر الدولي الأول للتنمية في سورية، إذ أكّد (ضرورة تشميل جميع المواطنين في مظلة الحماية الاجتماعية، فلم يعد مقبولاً أن تبقى كتلة كبيرة من قوة العمل والمواطنين في سورية خارج مظلة الحماية، لذلك سيتم التركيز على إحداث إصلاح جذري وواسع في نظام التأمينات الاجتماعية، وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية لتشمل الجميع، وخصوصاً حماية الصحة والتقاعد والتعطل، وستعمل الحكومة على إصلاح التعليم كماً ونوعاً، لتصبح الفرص التعليمية والصحية المتاحة لفتاة صغيرة في أفقر قرية، تعادل في نوعيتها الفرص التعليمية والصحية المتاحة لأغنى طفل في أغنى أسرة سورية).

قلنا سابقاً، وقال غيرنا أيضاً، إن تجاهل متطلبات التنمية الاجتماعية، والتركيز فقط على النمو الاقتصادي سيؤدي إلى الإخفاق في تحقيق التنمية الشاملة، فدون أجور عادلة ومتوازنة مع متطلبات الحياة الكريمة، ودون ضمان اجتماعي يوفر الاستقرار المادي والنفسي لقوة العمل، ودون ضمان صحي يغطي الطوارئ الصحية التي تتعرض لها مع أفراد عائلاتها، ودون سياسة تربوية وتعليمية تؤمن لأبناء الفئات الفقيرة في المدينة والريف تعليماً متطوراً، وأبنية مدرسية حديثة- ليست طينية – دون هذه المتطلبات، يصبح النمو الاقتصادي بلا معنى.. لا يخص الفئات الواسعة من أبناء الوطن، بل يخص فئة محدودة لن تستطيع إدامة هذه النمو.

وها هو ذا السيد النائب يطلق وعوداً تحتاج إلى خطة (فلكية) قياساً إلى حجم المشكلات التي تعالجها، واتساع عدد المستفيدين من الوفاء بها.

الكثير من الوعود التي قُطعت في الماضي لتحسين الوضع المعيشي والاجتماعي للمواطن السوري لم تجد طريقها إلى التنفيذ، لكننا سنعدّ كلام السيد النائب، خاصة أنه أُطلق في ندوة تتعلق بشؤون التنمية، وعداً يقطعه ممثل بارز للحكومة السورية لهذا المواطن، وسنطالبه بتنفيذ هذا الوعد. صحيح أن السيد النائب لم يحدد فترة زمنية للقيام بهذه الإصلاحات، لكن قطعه هذه الوعود والبلاد تستعد لوضع خطة خمسية جديدة، يدلل على أنها تندرج في سياق أهداف هذه الخطة.

ما رأيكم أيها القراء الأعزاء؟ هل نقول وداعاً للفقر؟ وهل سيجد مئات الألوف من المتعطلين فرصاً للعمل؟ وهل ستنتفخ جيوب متلقي الأجور؟ أم نقول كلام الليل يمحوه النهار!؟

basharmou@gmail.com

العدد 1102 - 03/4/2024