حكومة مع الشعب

كتب رئيس التحرير:

تساءلت بالأمس، في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية والمعيشية التي مرت بها بلادنا منذ سنوات عشر: ماذا لو كان البيان الوزاري للحكومة القادمة مؤلفاً من صفحة واحدة؟

نعم.. صفحة واحدة: (سنحاول الاهتمام بالإنسان السوري، ولن ندخر جهداً، وسنعمل على استمرار صمود بلادنا في مواجهة الاحتلال الأجنبي لأرضنا، وسنقطع أيدي المتطاولين على أمن المواطن.. وخبزه.. ودفئه.. ودوائه.. وكرامته، ولن نعدكم بالرفاه في ظل هذه الظروف، لكننا سنحارب بقوة كي لا تتوسع دوائر الفقر.. وكي لا يُعاقب مواطن سوري لأنه عبّر عن آرائه.. سنحاول ضبط الإدارة العامة بعد سنوات من الفلتان. لا يمكننا، بضربة سيف قاطع، أن نتخلص من تراكم الأخطاء والتقصير وضعف الإيرادات خلال عشر سنوات، فالأمر يحتاج إلى نجاح الحلول السلمية للأزمة السورية، وعودة الحكومة إلى السيطرة على الموارد الوطنية، وتسخيرها لإنهاض الاقتصاد الوطني، ونقل المواطن السوري من النفق.. إلى الضوء. نحتاج إلى جهود القوى الوطنية التي وقفت في مواجهة الإرهاب.. والعدوان.. والاحتلال.. ومعاً سنحاول إحداث فارق يقف في مواجهة حملات اليأس.. والتشاؤم.. واللامبالاة.. والتنكر لكل ما هو وطني. لن نلجأ إلى التبرير.. والمخاتلة، وسنضع الحقائق أمام الناس، ولن نستخف بعقول المواطنين السوريين، وستكون أبواب الوزراء مفتوحة أمام الجميع).

دفعني إلى هذا التساؤل مراجعة سريعة لأداء الحكومات المتعاقبة خلال سنوات الأزمة والغزو الإرهابي لبلادنا، فرغم الظروف الصعبة التي كانت تتفاقم في كل يوم، وتؤدي إلى خسائر بشرية واقتصادية هائلة، واشتداد الحصار الظالم، واستشراس التحالف الدولي المعادي لسورية في دعم الإرهابيين ومساندتهم، كانت هذه الحكومات تتصرف وكأن نهاية مأساتنا آتية في الغد!

لم تخطط للتعامل مع احتمال استمرار الأزمة زمناً طويلاً، ولم تبذل جهداً في تأمين مستلزمات المواجهة الطويلة الأمد، لم تسعَ إلى تجنيب المواطنين السوريين مأساتهم المعيشية التي أرهقتهم، ولم تخفف من أعبائهم رغم التضحيات الكبيرة التي بذلوها لدعم جيشهم الوطني الباسل في مواجهته للإرهابيين، بل صرّح مسؤولون حكوميون إن الاستعداد قائم لبدء عملية إعادة الإعمار.. وأحد الوزراء في حكومة من هذه الحكومات تحدث عن بدء التعاقد على شراء الآليات اللازمة لهذه العملية! في الوقت ذاته الذي صرح فيه وزير آخر بأن الظروف التي تواجهها الحكومة تجبرها على تخفيف الدعم الاجتماعي بسبب تقلّص الإيرادات العامة!

أما البيانات الوزارية لجميع تلك الحكومات أمام نواب الشعب، في مجلس الشعب، فكانت مليئة بالوعود على الصعيدين الاقتصادي والمعيشي، وخاصة (السعي لتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين)، لكن الذي حدث بالفعل هو تدهور هذه الأوضاع، وتحوّل غالبية السوريين إلى خانة الفقر والفقر المدقع!

ندرك تماماً أن الحكومة القادمة لن تستطيع صنع المعجزات، ولا نطالبها بذلك، بل نطالبها بالتركيز على وجع الناس وتأمين مستلزمات صمودهم خلف جيشهم، فمواجهة الاحتلال الأجنبي لا تبدو قصيرة الأمد.. نطالب حكومتنا القادمة بعدم الاستخفاف بعقول المواطنين السوريين وإدراكهم ومشاعرهم، عبر وعود.. ومظاهر.. وتصريحات لا ترقى إلى مستوى إدراكهم.. ووجعهم.. وصبرهم.. نريدها حكومة مع الشعب.

هل وصلت الرسالة؟

نرجو ذلك.. فسورية الوطن وشعبها المضحّي يستحقّان من الجميع بذل الجهود للخروج من النفق.

العدد 1102 - 03/4/2024