ماذا بقي للسوريين في وطنهم؟

سليمان أمين:

هل وصلنا إلى النهاية في لعبة القرارات الحكومية، التي وصفها كثيرون بالمؤامرات الداخلية التي تصب في مصلحة البعض، بتفريغ البلد من طاقاته ومواطنيه وتهجيرهم بشتى السبل على مدى سنوات مرت، حتى خسرت سورية أفضل ما لديها من خبرات ورجال أعمال وصناعيين وغيرهم من البنى الفتية العاملة، فالحياة فيها لم تعد مقبولة نهائياً، والوضع بات كارثياً جداً بسبب قرارات الحكومة غير المسؤولة نهائياً والتي ليس لديها أدنى خطة عملية لمعالجة واقع تفاقم لسنوات بسبب الإهمال وضعف الخبرات، والأهم من كل هذا هو استمرار السياسة التقليدية نفسها في تعيين المسؤول، دون اختيار أشخاص أكفاء لديهم خطط ومشاريع عملية للنهوض بالإنتاج المحلي وإعادته للواجهة بالتدريج، ليحقق جزءاً حتى لو بسيطاً من الاكتفاء المحلي، لا تعليق كل شيء على مصطلحات تم صناعتها من البعض الفاشل وتصديرها للمجتمع الذي بات يسخر منها ومن قائليها، فمن المعيب أن تكون سورية اليوم بحاجة إلى استيراد المشتقات الحيوانية بسبب تضاؤل كميتها جداً في السوق وارتفاع أسعارها الجنوني بسبب ارتفاع سعر الأعلاف، وعندما وجد المزارع ما يعينه في توفير مادة علفية رخيصة وهي نبتة الأزولا والاستغناء بشكل جزئي عن العلف الصناعي المستورد، جرى إصدار قرار من وزارة الزراعة بمنع زراعتها وملاحقة من يزرعها من الفلاحين وتغريمهم، فما هكذا تورد الإبل يا وزارة الزراعة التي لم يبقَ منها سوى الاسم مع غياب الهيبة والقرارات التي تصب في صالح الفلاحين، وتعمل على تحسين الزراعة ودعمها، بل العكس اتجهت بقرارها هذا لدعم مستورد الأعلاف على حساب الفلاح، وكذلك بالنسبة للأسمدة وغيرها، وقد اطلعنا على عدة دراسات حول الأزولا، فهي نبته مفيدة جداً وإيجابياتها كبيرة ولا سلبيات لها، كما ذكر بقرار المنع الصادر عن وزارة الزراعة، وليس هذا سوى مثال بسيط عن تدمير ما تبقى من الثروة الحيوانية في البلد. ولم تكتفِ الوزارة بهذا بل أصدرت قرارها الأخير برفع سعر الأعلاف.

لم تقف قرارات الحكومة عند وزارتي المالية والزراعة، فقد جاء قرار وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك القاتل برفع سعر الخبز والديزل الذي يشكل العصب الرئيس للحياة في البلد، وقد كان سعر اللتر 180 ليرة سورية فأصبح وفق القرار الجديد بسعر 500 ليرة سورية، ويمكن أن تكون مفاعيل هذا القرار كارثية، لما سيتبعه من ارتفاع هائل وكبير في الأسواق السورية التي تعاني من حالة ركود بسبب الأسعار المرتفعة التي لم تنخفض إلا بشكل بسيط بعد تثبيت سعر الصرف، إذ سترتفع أجور النقل بفوارق كبيرة، وكذلك المعامل التي تعمل على الديزل والذي سينعكس ارتفاعاً على كل شيء في السوق، كما أن رفع تسعيرة الديزل سوف تنعكس سلباً على الزراعة و الصناعة الذي سوف يرفع من سعر الخضروات والفواكه التي تعاني أيضاً من ارتفاع كبير هذا العام مقارنةً بالأعوام الماضية، وكذلك بالنسبة للمشتقات الحيوانية التي رفعت تسعيرتها الأسبوع الماضي، سوف ترتفع أيضاً بمعدلات متفاوتة وبفوارق كبيرة .

تعرفة الركوب الذي فُرضت على وسائط نقل الركاب العاملة على الديزل ليست منطقية نهائياً، فسائقو السرافيس والباصات أيضاً مواطنون، وقد تأثروا كثيراً بسبب الارتفاعات الشديدة التي حصلت ومازالت تحصل، وكان آخرها رفع سعر الديزل المدعوم، فليس من المنطق أن يرتفع الديزل بفارق 320 ليرة سورية وأن يتم التعديل على التسعيرة بفارق 30 ليرة سورية فقط لوسائط النقل الداخلية، فارتفاع سعر الديزل بمعدل 177% تقريبياً وليس بفارق بسيط ليتم التسعير وفق اللامنطقي.

كما تلا قرار رفع سعر الديزل والخبز مرسوم زيادة الرواتب بنسبة 50% للموظفين و 40% للمتقاعدين، وهذه النسبة جاءت فقط لتغطية نفقات المواصلات والخبز فقط، بينما يعاني المواطنون السوريون من الضعف الشديد للدخل مقابل ارتفاع تكاليف المعيشة، فراتب الموظف لا يشتري اليوم سوى أسطوانة غاز من السوق السوداء.

وقد لاقت هذا القرارات استياءات شعبية كبيرة، وكانت ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي بين الدمعة، والوجع والسخرية، وتعبير كثيرين عن رغبتهم بالهجرة نهائياً، فالحياة لم تعد تحتمل بسبب قرارات الحكومة الكارثية والقاتلة، فليس من المنطق أن يكون هناك فارق أكثر من نصف مليون ليرة بين أبسط تكاليف العيش الإنساني والدخل في بلد أرهقها مسؤولوها وقراراتهم غير العملية، والأكثر إثارةً للاستغراب هو  قرار دعوة الصناعيين للعودة وتشكيل لجنة مختصة، مع العلم بأن الجواب واضح وصريح، فالصناعي الذي بقي في البلد بات يبحث عن هجرة بسبب القرارات الأخيرة التي أرهقته، فكيف سيعود صناعي قدمت له دول أخرى كل الإمكانيات وفتحت له الأبواب للاستثمار، سؤال واقعي يطرح نفسه، حتى اليوم لا يوجد أي تسهيلات بل يمكن أن نسميها بالتعقيدات القاتلة لبيئة الاستثمار .

كفى ما يمر به السوريون من ظلم كبير خلال سنوات مرت، فسوريتنا بأمسّ الحاجة اليوم إلى حكومة إعادة بناء وعمل وليس لحكومة قرارات جبائية تمتص دماء المواطنين، فلنحافظ على من بقي في سوريتنا ولنعمل على صون كرامته، فالكل يسأل اليوم ماذا بقي لنا من سوريتنا التي سلبتموها كل ما تملك من ثروات إنتاجية حقيقية.

العدد 1104 - 24/4/2024