الفساد والإهمال يغتال مهارات الشباب

إيمان أحمد ونوس:

لا شكّ أن الشباب هم العمود الفقري للدول والمجتمعات، فهم الفئات الأكثر عطاءً واستيعاباً لمختلف التطورات والتقنيات العلمية الحديثة. ولهذا، فإن الدول والحكومات المعنية بتطوّر المجتمع، لا بدّ لها أن تُعنى بتطوير الشباب لديها من خلال إتاحة فرص التعليم بمختلف تنوعاته واختصاصاته، إضافة إلى خلق فرص العمل التي يحتاجونها وتوفيرها لتدعيم معارفهم العلمية النظرية فتكسبهم مهارات متنوّعة. وانطلاقاً من هذا، فقد خصّت الأمم المتحدة هذا الجانب باهتمام ارتقى لأن يكون هناك يوماً عالمياً لمهارات الشباب عام 2014، الذي صادف يوم 15/7 بهدف تطوير مهارات الطلبة الذين تراكمت لديهم المعلومات العلمية النظرية التي تحتاج إلى صقلها من خلال التطبيق العملي.

غير أن مجتمعاتنا (أفراداً وحكومات)، والمُصنّفة من المجتمعات النامية أو المتخلّفة، فإنها لا تألو جهداً في وضع جميع العراقيل أمام جيل الشباب منذ مراحل حياتهم الأولى، وفوق كل هذا، فإن أقلّ ما هو شائع من صفات تُطلق عليهم، هي العبثية واللامبالاة والتسطيح و…. الخ من صفات أرى أنها مُجافية للحقيقة في جزء كبير منها، ذلك أن شرائح غير قليلة من هؤلاء الشباب يحملون من مفاهيم التطور والعلم ما يُمكّنهم من مجاراة تقنيات العصر ومفاهيمه الحديثة، بحكم تمتعهم بروح المحاولة والاكتشاف.

لقد عزّزت المُتغيّرات التي طالت المجتمعات العربية في السنوات الأخيرة ما نقول، من حيث امتلاك الشباب روحاً مُبدعة خلّاقة في التعامل مع أزمات المجتمع وكوارثه في كثير من الأحيان، وذلك من خلال مجموعات عمل ميدانية حاولت وتحاول جاهدة النهوض بالأفراد والمجتمع من قاع الحرب والعنف والموت إلى فضاءات أكثر إنسانية، من أجل تجاوز هذا الواقع بأقل الخسائر المحتومة.

إنها جهود جبّارة واستثنائية، في ظروف قاهرة واستثنائية، جهود علينا كمجتمع وحكومة تقديرها واحترامها والاعتراف بضرورتها وأهميتها، ومحاولة تقديم كل ما يمكن ويلزم لأولئك الشباب من أجل الاستمرار في عطائهم وإبداعهم. كما على الحكومة أولاً وقبل كل شيء، الإيمان بأن الشباب هم عماد الأوطان ومستقبلها، ومن ثمّ إفساح المجال رحباً أمام من تبقّى منهم، للاستفادة من إمكاناتهم وقدراتهم الهائلة من أجل النهوض بالمجتمع، وكي تكون إعادة الإعمار بأيدي هؤلاء الشباب الذين آثروا البقاء في وطنهم رغم كل ما جرى، وبعقولهم، ورغم معاناتهم اليومية بسبب بطالة تخطّت النسب العالمية بأرقام مرعبة.

غير أن الواقع اليوم يُظهر كل ما هو مُعيق ومُعرقل لجهود أولئك الشباب وأفكارهم_ إلاّ فيما ندر_ من خلال إهمال العديد من الأفكار والأبحاث والإبداعات المُقدّمة أو المُقترحة من قبلهم، التي يهدف غالبيتها لرفد عملية إعادة البناء والإعمار بأقلِّ التكاليف المادية، والتخفيف ما أمكن من الاعتماد على استيراد العديد من مستلزمات إعادة الإعمار اللوجستية منها والنظرية، بمعنى الاستغناء ما أمكن عن الغرب، لاسيما في ظلّ الحصار والعقوبات الاقتصادية التي تُعيق النهوض من قاع الحرب ودمارها، وفي ظلّ شحّ موارد الخزينة العامة من القطع الأجنبي. وما هذا الإهمال المقصود لتلك الأبحاث والدراسات والمشاريع، إلاّ بفعل الفساد المُستشري سواء في الوزارات المعنية بشكل خاص، والمتغلغل في كل مفاصل الأجهزة الرسمية والمجتمعية بشكل عام.

وهذا ما دفع بالعديد العديد من الشباب ولا يزال، للهجرة إلى أي مكان في العالم، حتى يتسنى لتلك الأبحاث والإبداعات أن ترى النور وتجد من يدعمها ويعمل على تحقيقها واقعياً بما يخدم الشباب أنفسهم أولاً، ومن ثمّ البلدان التي لاذوا بها كي يتمّ الاعتراف بهم وبقدراتهم البنّاءة. وهنا نجد أن المستفيد الأول والأخير في هذه المعادلة هي تلك الدول التي تُعلي من شأنهم وتكافئهم على ما قدموه بالمزيد من التسهيلات سواء الدراسية والبحثية منها، أو المادية التي تؤهلهم للعيش بكرامة لأجل الإبداع المستهدف والمُنتظر منهم، بينما الخاسر الأول والأخير هو البلاد التي لم تستطع حكوماتها، أو بالأحرى لا تريد وجود هؤلاء الشباب لأنهم بنظرها يُهدّدون بقاءها وسطوتها بتبريرات لا تُقنع أصغر جاهل أو أمّيّ!!

إننا اليوم، في مجتمع نخره الفساد حتى العظم، مثلما دمّرته الحرب التي لم تٌبقِ على شيء، نحتاج وبقوة إلى التصدي بحزم لتلك الذهنية التي تُحارب الشباب وإبداعاتهم متستّرة بعباءة الوطنية التي هي منها براء، وحين نصل إلى هذه الحالة يُمكننا القول إن البلاد ستتعافى وتنهض من قاع الموت إلى فضاءات الحياة والتطور والارتقاء بالفرد والدولة والمجتمع على حدٍّ سواء.

العدد 1104 - 24/4/2024