مؤتمر الإصلاح الإداري.. عشرة أيام هزت الهيكل الإداري القديم لوزارات الدولة

د. سلمان صبيحة:

في 20/6 /2017 أطلق السيد الرئيس بشار الأسد المشروع الوطني للإصلاح الإداري، وكلفت وزارة التنمية الإدارية بمتابعة هذا الملف الوطني الهام، وخلال أربع سنوات من العمل والجهد المشترك لكل وزارات الدولة، عقدت وزارة التنمية الإدارية في دمشق مؤتمر الإصلاح الإداري وذلك خلال الفترة من 20/6 ولغاية 30/6/2021، بحضور السيد رئيس مجلس الوزراء والسادة الوزراء ومعاونيهم والمديرين المركزيين تحت شعار:

 (إدارة فعالة.. نحو مؤسسات ديناميكية).

على مدار عشرة أيام وبحضور أكثر من ألف شخص، عُرض ونوقش الواقع التنظيمي الإداري لـ26 وزارة، إضافة إلى الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء، من حيث إشكالية صكوك إحداث الوزارات وتحديد مهامها وتداخل اختصاصاتها، إضافة إلى تضخم البنية التنظيمية للإدارات المركزية ومشكلة الملاكات العددية، كذلك عُرضت إشكالية انزياح أعداد القوى العاملة وتضخم عدد مراكز عمل معاوني الوزير. وقد حدد المؤتمر جلسات أعماله بثلاث مراحل: المرحلة الأولى امتدت من 20/6 ولغاية 22/6/2021، فكانت تقام الجلسات في مدرج قصر المؤتمرات بحوار حكومي مغلق، عُرض فيه بناء قاعدة البيانات الوطنية لمؤشر التنظيم المؤسساتي، وقاعدة البيانات الوطنية لمؤشر القوى العاملة، إضافة إلى عرض نتائج التطبيق الإلكتروني لرضا الموظف، كذلك عرضت نتائج مؤشر جودة التنظيم المؤسساتي إضافة إلى عرض خارطة الموارد البشرية في كل الوزارات، وعرضت الإشكاليات الأساسية المشتركة بين الوزارات ولاسيما التقارير الإدارية ونماذج الهياكل التنظيمية المقترحة لكل وزارة على حدة، وقد عقدت غالبية جلسات هذه المرحلة برئاسة السيد رئيس مجلس الوزراء، وقد جرت الحوارات والمناقشات في جو هادئ وبشكل جدي ومسؤول.

المرحلة الثانية كانت عبارة عن جلسات مغلقة مع لجنة إقرار البنى التنظيمية لكل وزارة على حدة في وزارة التنمية الإدارية، استمرت على مدار ستة أيام.

المرحلة الثالثة والأخيرة كانت عبارة عن عرض لحصيلة ما توصل اليه المجتمعون، وما تضمنته الحوارات والمناقشات، وعرض للهياكل الإدارية الجديدة، وذلك ضمن حوار مفتوح في قصر المؤتمرات يوم الأربعاء 30/6/2021 برئاسة السيد رئيس مجلس الوزراء، وبحضور كبار الشخصيات السياسية والرسمية والنقابات المهنية وبعض أعضاء مجلس الشعب.

وبعد الحوار والمناقشات، اختتم المؤتمر أعماله بالعديد من التوصيات والمقترحات الهامة والتي يمكن الاطلاع عليها على صفحة وزارة التنمية الإدارية وصفحات باقي الوزارات، كما سيتم إصدار مجموعة من الوثائق والتقارير المنبثقة عن المؤتمر أهمها:

 إصدار التقارير الإدارية لكل الوزارات، إصدار تقرير الأداء الإداري العام، إصدار تقرير الهيكل الإداري للجهاز الحكومي… وذلك على منصة (مرصد الأداء الإداري) ونشرها على الموقع الإلكتروني لكل وزارة.

 من أهم النتائج المباشرة للمؤتمر:

– لم تقتصر نتائج المؤتمر على تقليص البنية التنظيمية فقط، بل تم التركيز على الجانب الفني وتعزيزه.

– تم إعادة هيكلة البنية التنظيمية للإدارات المركزية وتقليص عدد المديريات المركزية في الوزارات من 553 مديرية مركزية إلى 305 مديريات بعد الدمج.

– بلغت نسبة المديريات المركزية الفنية في الهيكلية الجديدة 55% بعد ان كانت 64% للمديريات الإدارية مقابل 36% للمديريات الفنية، وسيتم العمل مستقبلاً لتصل نسبة المديريات الفنية إلى 70%.

– تم تقليص مركز عمل معاوني الوزير، وأصبح في كل وزارة معاونين اثنين على الأكثر، فانخفض عدد شواغر معاوني الوزير من 80 إلى 47 شاغراً.

– تم حساب الأثر المالي بشكل أولي لإعادة الهيكلة في جانب واحد فقط هو السيارات المخصصة للمديريات المركزية فقط، وسينخفض عدد السيارات تقريباً إلى النصف، إضافة إلى توفير حوالي نصف مليار ليرة سورية كتكاليف بدل صيانة وإصلاح وثمن وقود سنوياً، فقط على مستوى الإدارات المركزية، فكيف إذا طبق هذا الإجراء على كل الجهات الحكومية الأخرى، فبالتأكيد سيكون المبلغ أضعافاً مضاعفة.

– كذلك من المتوقع أن يتحسن مستوى مؤشر الأداء الوظيفي.

– اعتماد المسلك الهندسي.

– حوكمة الأداء الحكومي.

– تعزيز نطاق الإشراف من قبل المديريات المركزية على الجهات التابعة وحل التشابك بين مهامها.

– ظهرت مديريات بأسماء جديدة مثل مديرية الخدمات المشتركة التي تضم فيها دائرة الإصلاح والصيانة والمرأب والجاهزية. ومديرية الاتصال والدعم التنفيذي التي حلت مكان مديرية مكتب الوزير.

كما تم إحداث مديرية جديدة باسم مديرية قياس الأداء والجودة،

كذلك تم فصل دائرة العقود عن محاسبة الإدارة وأصبحت ضمن مديرية الشؤون القانونية، إضافة إلى دمج عدة مديريات ذات طبيعة عمل مشترك واحد ودوائر فنية تخصصية متشابهة.

بالتأكيد هذا ليس كل شيء، فهدف مشروع الإصلاح الإداري هو مكافحة الفساد وزيادة فعالية الدولة.

إضافة إلى نتائج إيجابية أخرى متوقعة ستظهر مستقبلاً مثل: تعديل أوضاع العاملين الذين تم تعيينهم على أساس شهادات أدنى من الحاصلين عليها، وكذلك إلى بناء الثقافة التنظيمية وتعزيز الانتماء الوظيفي من خلال إعداد مدونة سلوك وظيفي تعتبر الوظيفة العامة (تكليفاً وليست تشريفاً)، وإصدار مراتب وظيفية تحقق الرضا الوظيفي.

وهكذا اختتم مؤتمر الإصلاح الإداري الأول من نوعه على مستوى البلاد، ليبدأ عهد الأمل بالعمل.. عهد إصلاح إداري وتنظيمي طال انتظاره ينفض عن كاهل الجهاز الإداري والهياكل التنظيمية الحكومية القديمة غبار سنين من التراكمات والترهل الوظيفي والإداري، فينهض هذا الجهاز من جديد ليكون أكثر رشاقة وحيوية من أجل ملاقاة استحقاق النصر وإعادة الإعمار وليواكب التطورات الإدارية والهياكل التنظيمية الحديثة العالمية، وخاصة بعد الحرب العدوانية الظالمة على سورية، وكما قال السيد الرئيس:

(إن هذه الحرب كانت كاشفة ومحفزة لضرورات الإصلاح الإداري وليست منشئة له، حيث ظهرت جوانب جلية تم التفكير فيها معمقاً خلال الحرب وقد أفضت إلى إطلاق المشروع).

لقد كان من اللافت والمميز أن الإصلاح الإداري الذي أقر في هذا المؤتمر الهام أنجز بخبرات إدارية وطنية ترجمت رؤى وأفكار السيد الرئيس بشار الأسد الذي أطلق هذا المشروع الوطني الكبير للإصلاح الإداري، والذي يعتبر هو الأساس لبنية قوية للدولة من أجل متابعة مسيرة التطوير والتحديث.

ومن المتوقع أيضاً أن نشهد بعد هذا المؤتمر مؤتمرات وحوارات وطنية هامة اخرى في كل المجالات، ولعل أبرزها مؤتمر الإصلاح الاقتصادي المنتظر.

العدد 1102 - 03/4/2024