في مئوية الحزب الشيوعي الصيني

عبد الرزاق دحنون:

رغم انحسار التجربة الاشتراكية العالمية التي وصلت أوج توهجها في النصف الثاني من القرن العشرين، مازال الحزب الشيوعي الحاكم في الصين يستقبل العديد من المؤيدين الجدد، ومهما كنت متفقاً أو مختلفاً مع التجربة الاشتراكية وتطبيقاتها الاقتصادية الحالية في صين اليوم، يقدم صينيون انضموا للحزب الشيوعي رؤية أخرى، تُبرز قدرة الحزب الذي بلغ من العمر مئة عام على تحقيق الريادة العالمية والمنافسة على عرش الاقتصاد والتكنولوجيا على كوكب الأرض.

وفيما يحتفل الحزب الشيوعي الصيني في الأول من تموز (يوليو) 2021 بالذكرى المئوية لتأسيسه، يعود الشعار المتكرر للحقبة الثورية (لا صين جديدة دون الحزب الشيوعي)، وأن الرهان عليه بات أكبر في صفوف مؤيديه.

ولا بد أنّ الحزب الشيوعي الصيني سيحتفي بالنموّ الهائل للبلاد التي قفزت من الفقر المدقع إلى مصاف القوّة الاقتصادية الثانية عالمياً في ظلّ قيادته، خاصة في عقد الرئيس القوي شي جين بينغ. كانت قصة نجاح الصين على الصعيد الاقتصادي قد بدأت في عام 1978، عندما أطلق القائد الصيني الراحل دينغ سياو بينغ، مجموعة إصلاحات شاملة من أجل فتح قطاعي التجارة والاستثمار مع الدول الرأسمالية الغربية، وذلك في أعقاب وفاة الزعيم الشيوعي الصيني ماو تسي تونغ.

روى صينيون لوسائل إعلامية كيفية انضمامهم إلى الحزب الذي أسسه في تموز (يوليو) عام 1921 عشرة مثقفين وطنيين ومناهضين للاستعمار، وتحول إلى أكبر حزب شيوعي في العالم، يحكم اليوم بآلية سياسية تتولى قيادة الصين وتضم 92 مليون عضو. وكان يضم سابقاً بشكل خاص موظفين رسميين وعسكريين وفلاحين وعمالاً، لكنه اليوم بات يعدّ في صفوفه عدداً متزايداً من الشبان المتعلمين أو حتى الفنانين. في السطور التالية شهادات ثمانية رفاق ممن برزوا بآرائهم اللافتة وأعمالهم وأيضاً بأفكارهم دفاعاً عن الحزب وتخليداً لمسيرته المظفرة في الحكم منذ سنوات طويلة.

 

ويسو تشاو دونغ

مقاتل سابق ولد في 1954 بعد خمس سنوات على إعلان جمهورية الصين الشعبية من قبل الشيوعيين، فقد انضم إلى الحزب الشيوعي في سن العشرين. ويقول في شقته في بكين: (في تلك الفترة، كل الشباب الصينيين كانوا يطمحون للانضمام إلى الحزب. كان بالفعل حلم الحياة). وبعدما فوّت قسماً من دراسته خلال الفوضى التي عمت إبان الثورة الثقافية (1966-1976) وهو شيء يتأسف عليه، قاتل خلال الحرب بين الصين وفيتنام (1979). وشكلت الإصلاحات الاقتصادية وانفتاح البلاد اعتباراً من 1978 بالنسبة إليه ولمواطنيه (تغييراً عقائدياً كبيراً) بعد الحقبة الماوية كما يقول هذا المتقاعد البالغ من العمر 67 عاماً. ويضيف: (كأعضاء في الحزب، كان علينا أن نكون رواد هذا التفكير الجديد وأن نجعل الناس يلتزمون به) مشيداً في الوقت نفسه بـ(براغماتية) القادة الذين استخدموا اقتصاد السوق لتطوير الصين.

 

يانغ نا

رسامة شيوعية بالغة من العمر 38 عاماً، تمثل أعمالها السريالية شخصيات نسائية ذات شفاه كبيرة وأشكال مثيرة، انضمت إلى الحزب عام 2001. ومحاطة بزوجها وطفلها، ترسم في مشغلها المشرق في بكين لوحات تعرضها في الصين والخارج. وتأمل من خلال فنها في: (جعل الناس يفهمون أن كل الصينيين وكل أعضاء الحزب الشيوعي الصيني ليسوا جميعاً متماثلين) مشيرة إلى أن الحزب بات يظهر الآن بعض التنوع في سمات أعضائه.

 

دال ونغ

بلغ من العمر 75 عاماً وانضمَّ إلى الحزب الشيوعي الصيني في عام 1974. وعلى مدى ثلاثة عقود كان أبرز مسؤول في الحزب في قرية بمنطقة حساسة في التيبت (جنوب غرب الصين). وأردف الرجل المتقاعد: (لقد شهدت القسوة من المجتمع السابق واللطف من المجتمع الجديد) وهو لا يزال يقيم في القرية نفسها حيث يحب الاهتمام بحديقته.

 

تشين جيان

بلغ من العمر 51 عاماً، وهو الرئيس التنفيذي لشركة تملكها الدولة وسكرتير الحزب في شركته، مهمته كعضو هي ضمان نمو الشركة وتوفير فرص عمل للصينيين. ويدعو الأجانب الذين يعتبرون الحزب الشيوعي الصيني دكتاتورياً إلى: (التخلي عن أحكامهم المسبقة) و(المجيء لرؤية إنجازاته) لاسيما (ظروف الحياة التي تحسنت بشكل هائل) خلال 40 عاماً. ويوضح أن: (أكواخ الماضي حلت محلها هذه المباني الحديثة الكبرى. لقد استعضنا عن صنادل القش أو القماش بأحذية جلدية).

 

الطالبة يانغ غوانغ

بالغة من العمر 24 عاماً انضمت إلى الحزب في 2018 وهي تدرس الموارد المالية في بكين، وبعد التخرج ستعود إلى مقاطعة سيشوان بجنوب غرب البلاد للعمل في مصرف. وتقول هذه الشابة التي تعتبر الأولى في صفها، إنها مستعدة دائماً: (لمساعدة الآخرين) خاصة خلال انتشار الوباء، وهو (طموح) غذى رغبتها في الانضمام إلى الحزب: (للمشاركة في تنمية الصين).

 

المؤرخ تشو جيا

يبلغ من العمر 33 عاماً، ينتمي إلى الحزب الشيوعي منذ عام 2010 وقد عمل لدى معهد أبحاث تابع للحزب، حيث أعد تقارير حلّل فيها خصوصاً تاريخ الحزب وكذلك أخطاءه، فهو يتحدّر من عائلة شيوعية، وكان الانضمام إلى الحزب بالنسبة إليه دافعاً للتواصل مع الآخرين: (والحصول على المزيد من الفرص لتحقيق أمور) من أجل بلاده. ومثل أعضاء الحزب الآخرين، فقد استغرق طلب انضمامه عامين من المراقبة. وبيّن قائلاً: (خلال هذه الفترة، يجب أن تثبت من خلال مبادراتك وذهنيتك أنك شخص يمضي إلى الأمام، قائد) ويضيف:(لا أنكر أن الانضمام يساعد في إيجاد عمل في حياتك المهنية. لكن هذا الأمر ليس ممكناً في النهاية إلا إذا كنت عضواً كفؤاً على قدر المسؤولية).

 

سوانغ ينغ

شاب صيني يبلغ من العمر 29 عاماً، متعلم ولديه عقيدة راسخة بحق الحزب الشيوعي بحكم الصين، هذا تماماً ما تريده هذه المؤسسة مع دخولها قرناً جديداً. ويدل وضع سوانغ ينغ على إيمان شبه ديني في عقيدة الحزب الشيوعي الصيني، أي أن سلطته هي القوة الوحيدة التي يمكن أن تنقذ الصين. ويقول سوانغ ينغ وهو اسم مستعار يهدف إلى حماية هويته كعضو في الحزب الشيوعي الحاكم دون منازع منذ 1949: الإيمان بالحزب ثابت. ربما ليس إلى حد ديانة مثل البوذية أو المسيحية، لكن كشيء يحفظ الانضباط الذاتي) ويتحدر سوانغ ينغ من عائلة شيوعية وتعرض لضغط من جدته للانضمام إلى الحزب. وبعد نيله شهادة في الهندسة الزراعية، قرر أخيراً أن يقوم بتلك الخطوة وجذبته المكانة التي تعطيها معايير الاختيار الجديدة. ومثله، كان هناك أكثر من 50 في المئة من أعضاء الحزب الشيوعي الصيني من حائزي شهادات تعليم عال عام 2019 مقابل 41.6 في المئة في 2013. لم يعد الفلاحون والعمال يشكلون أكثر من 34.8 في المئة مقابل 38.1 في المئة قبل ست سنوات.

 

ونغ

ويقول مسؤول جامعي يبلغ من العمر 46 عاماً يعمل في شرق البلاد ويدعى ونغ، إن (الأعضاء الشباب هم أكثر ثقة وطموحاً وإيجابية) واطمئناناً منهم إلى السيطرة على وباء كوفيد – 19 والمعركة ضد التلوث وخفض الفقر، وهي مواضيع تتطرق إليها وسائل الإعلام الرسمية باستمرار، لا يطرح الشبان الشيوعيون مسألة شرعية النظام على البحث. ويقر ونغ بأنه لا مجال للنقد داخل الحزب، وأن الصينيين ليس لديهم خيار سوى الانصياع للحزب. لكنه يعتقد أن الحزب الشيوعي الصيني يؤسس (ديمقراطية مركزية) أكثر ملاءمة لدولة لم تختبر أبداً الليبرالية الغربية. وأردف ونغ: (لا علاقة للديمقراطية الصينية بديمقراطية الدول الأخرى) متابعاً (الصين دولة كبيرة معرضة للكوارث الطبيعية وتتطلب سلطة مركزية قوية) ويقر الجامعي بأنه كانت لديه (شكوك) في الماضي تجاه نظام لم يتردد في إطلاق النار على شبابه المحتجين في عام 1989. لكنه يقول إن المسار الحالي هو (الأفضل ملاءمة للصين).

العدد 1102 - 03/4/2024