عجلة الحياة تسير وقوانيننا ثابتة في مكانها

وعد حسون نصر:

عجلة الحياة تسير وقوانيننا مازالت تقف مكانها ثابتة، فما زلنا نتعامل مع القانون منذ أن وُضع حتى زمننا هذا، وكأن أصحاب القرار لم يمر الزمن عليهم بعجلاته، ولم تسرق الدنيا منهم سني عمرهم. فقانون الأحوال الشخصية في سورية لم يتغيّر رغم التغيرات والتطورات والحروب وما نتج عنها من اختلاف في وجهات النظر لكل معطيات الحياة وخاصةً للأمور المتعلقة بالزواج والطلاق وطبعاً بناء على تغييرات المرحلة، وأكبر مثال على هذا الأمر الطلاق ونفقة الزوجة والأولاد، فمن غير المقبول مع الارتفاع الجنوني للأسعار الذي طال كل جوانب الحياة من ارتفاع السلع الغذائية للأدوية والملابس وحتى إيجارات المنازل وأسعار العقارات والمواصلات وتكاليف المدارس، مازال القانون ينص على بضعة آلاف يقدمها الأب للابن مطلع كل شهر، هل يا ترى هذه القطع القليلة من النقود تكفي لكل مستلزمات الطفل؟ فإن كان رضيعاً فغنها لا تكفيه ثمن حليب ولا دواء! فما بالكم إن كان في مرحلة الدراسة الأولى وما يحتاجه من قرطاسية ومصروف للمدرسة ولباس وحقيبة وأحذية وغيرها؟ وحين يصل إلى الثانوية والجامعة تتفاقم أكثر وأكثر المصاريف والقانون مازال يرى في بضعة الآلاف هذه حياة كريمة للطفل الذي ما إن يبلغ الذكر السن القانوني الثامنة عشرة حتى تُحجب عنه ميزة النفقة التي لا تكفيه ثمن دفتر وقلم، أمّا الزوجة فإن كانت موظفة فلا يحق لها النفقة، فهل في هذا عدالة وإنصاف ومساواة؟ أين أنتم يا أصحاب القرارات من التغيّرات السائدة في المجتمع؟ ألم يحن الوقت لكي تجروا تعديلاً حقيقياً على كل القوانين المتعلقة بأحوالنا الشخصية حتى تناسب ظروف كل مرحلة؟ هل يعقل بعد حرب جائحة أن تمنع الأم من السفر أو حتى فتح حساب مصرفي أو إصدار جواز سفر لأبنائها بغياب الزوج لأسباب عديدة قد يكون متوفى أو مفقوداً أو أسيراً؟ ألا يجوز تعديل هذه المادة واعتبار الأم هي الوصي الشرعي بغياب الأب على أبنائها؟ هذا الأمر لا يقل أهمية عن النفقة التي قيّدت بها المرأة وأطفالها بعد الطلاق، وعليها أن ترضى بما نص عليه القانون حتى وإن بلغ سعر السلعة مئات الألوف، فالقانون نص لها على (١٥٠٠٠ ل. س) وللطفل (١٢٠٠٠ ل. س) وعليها أن تتماشى مع هذا الراتب الشهري، ولا يهم ما ينجم عن استغنائهم عن الكثير من الحاجات!!

نحن بحاجة إلى تغيير جذري في بعض القوانين وليس التعديل فقط، فكل مرحلة لها خصوصيتها، وعلينا أن نرى خصوصية المرحلة ومتطلباتها لكي نضمن سير القانون بشكله السليم، لذلك من الطبيعي تأمين مسكن للزوجة الحاضن وهذا فرض وليس مزاجاً، ومصروف شهري مناسب مع تغيرات السوق وجنون أسعاره، فليس من المعقول إيجار السكن في وقتنا هذا يعادل مئة ألف ليرة، وأن يكون مبلغ الإنفاق على الزوجة وطفل مبلغاً شهرياً لا يتعدى الثلاثين ألف ليرة، تحت حجّة أن أهل الزوجة مجبورون حسب العرف والعادات والتقاليد على احتواء ابنتهم بعد طلاقها، كثير من الأهل يحتوون الابنة ويرفضون أبناءها، فهل من عدل في هذا؟ لذلك كان السكن حقاً شرعياً للزوجة وأبنائها في حال عدم رغبتها التخلي عن أبنائها والعودة لبيت الأهل، لذلك أعيدوا النظر بالقانون وكونوا خير منصف لنسائكم، فهنّ أمهاتكم وأخواتكم وبناتكم، لا تقسوا عليهن فلا يرحمكم دعاؤهن، فمن يضع القانون لم يخلق على الأرض من دون أم ولم ينجب ذرية من دون زوجة، فإن كان هو الزارع فالمرأة الأرض الخصبة التي تطرح ثمرها بالأرض لتعمرها، فازرعوا بذور الخير بأرض خصبة واجنوا ثمارها، لذا أنصفوا النساء لتذوقوا أطيب الثمار، ولا تنسوا أن حلاوة الروح تأتي بالمحبة والعدالة والإنصاف، غيروا القانون المجحف بحقنا لتسير عجلة الحياة نحو العدل ويتساوى الميزان.

العدد 1104 - 24/4/2024