معاً لتجديد الفكر القانوني في مجتمعنا!

ريم داود:

ساهمت التطورات التي شهدها العالم على جميع الأصعدة في إحداث تغيّرات جذرية وجوهرية حوّلت مجرى الحياة من حال إلى حال، وخاصة على الصعيد القانوني، فقد أخذ العالم يتوجه بدأبٍ نحو الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير وسيادة القانون، فضلاً عن غيرها من الأمور المهمة التي شغلت بال الناشطين والمفكرين. لكن اللافت في الأمر والمؤسف في الوقت ذاته أنه وعلى الرغم من كل هذه القفزات والخطوات العالمية السريعة لا يزال الفكر القانوني في العالم العربي يراوح في مكانه مهرولاً متمايلاً مترنحاً غير قادر على اللحاق بركب التطور الحاصل، تاركاً شرخاً كبيراً وغير مقبول بين نصوص مختلف القوانين التي صُكّت في زمانها، والواقع الحالي المعيش الذي لا يتناسب إطلاقاً مع تلك النصوص.

  • نفقة الأطفال بعد الطلاق: اتفق العلماء على أن نفقة الأطفال واجب على الأب وتشمل المأكل والمشرب والمسكن والملبس والتعليم وكل ما يحتاجه الطفل حتى يصبح قادراً على إعالة ذاته، أي قادراً على العمل والإنتاج، كما نص هذا الاتفاق على أن تقدر النفقة وفقاً لأحوال الأب المادية والاقتصادية، وهنا بيت القصيد. فبعد لقاءات عديدة لي مع إحدى السيدات التي كانت تشتكي تعنيف الزوج لها محاولة بشتى الطرق والوسائل التخلص من هذه العلاقة أو ذاك الكابوس حسبما ذكرت، وفي أثناء ذلك اللقاء راحت السيدة تسرد مشاريعها وأحلامها بعد الحصول على الطلاق، وأن قرارها كان الأفضل وهو يصبُّ في مصلحتها ومصلحة أطفالها معاً، ولكنها تلقّت اتصالاً من محاميها المسؤول عن دعوى التفريق يُعلمها فيه أنه تمّ تحديد نفقة الأطفال بمبلغ يقارب عشرين ألف ليرة سورية! ابتسمتُ لكثرة ضحكها وقد ضعت بين معاني دموعها، هل سالت من شدّة الضحك أم أنها انهمرت حزناً وألماً؟ أنهت السيدة اتصالها وهي تتمتم: (شو بيعملو العشرين أو الخمسة وعشرين ألف، لك حق أدوية ما بيكفّوني إذا مرضوا، لك أكل وشرب للولاد يا دوب يكفو لآخر الشهر، حسبي الله ونعم الوكيل!). ساد الصمت برهة رغبة مني في إفساح المجال لها بالتعبير عمّا يجول في خلجاتها، صمتت قليلاً وعاودت الهمس والتمتمة وكأنها انفصلت عن العالم الواقعي لتجول في عالم آخر تطوف فيه حول همومها وآلامها كطير مذبوح يترنح من الألم.
  • هل تتناسب القوانين والتشريعات مع وضعنا الراهن أم أنها رهينة زمانها؟

سؤال لطالما راودني: كيف تُحتسب النفقة؟ وما هي الأساسيات التي يتمُّ الاستناد عليها لاتخاذ قرار يكاد أن يكون مفصلياً في حياة أسرة كاملة؟ ولكي أتمكّن من الإجابة عن تساؤلاتي، تواصلت مع محامٍ قريب لي أستفسر منه عن آلية العمل ضمن هذا القانون، وهل طال هذا القانون أي تعديل يناسب الظروف الحالية؟ وجاء الرد كالتالي: عزيزتي، القانون هو ذاته لم يحدث فيه أي تعديل أو تغيير، لكننا أصبحنا اليوم نعمل وفق ما يسمى خبرة على معاش المطلوب منه النفقة والتي تُحتسب بناء على الظروف المعيشية والغلاء، أما القرار في هذه النفقة فيعود تقديره للقاضي أولاً وأخيراً، وفي هذه الحال يجب على الزوجة أن تثبت مصدر دخل الزوج من خلال شهود أو وثائق كي تتمكّن من الحصول على نفقة مقبولة. لم يسعني أمام هذا الرد القانوني إلاّ أن أعاود التساؤل وعلامات الحيرة والدهشة تغزو عقلي.. كم تكفي النفقة المقدّرة لطفلين وأمهما في ظلّ ظروف معيشية أصبحت خيالية؟ هل نلوم القاضي الذي أقرَّ بمقدار النفقة حسب تقديراته لأحوال الزوج المادية ورغبة منه بعدم إرهاقه في المصاريف؟ أم نلوم القوانين التي أصبحت غير صالحة لزماننا؟ ألم يئن الأوان الذي يلزمنا بالعمل على قانون جديد يحمي الأطفال ويضمن لهم حياة كريمة سعيدة بغض النظر عن إمكانية أحد الوالدين المادية؟ وهل سنتمكّن في المستقبل القريب من الحصول على امتياز يضمن حق الأطفال بحياة مستقرة دون الخوف من واقع بات شبحاً يطاردهم؟ كلها اقتراحات وتساؤلات نضعها بين أيدي المعنيين آملين أن نلمس تغييراً جريئاً في قوانيننا يناسب واقعنا المرير هذا.

العدد 1104 - 24/4/2024