اللاجئون.. لا للعودة!

د. أحمد ديركي:

ما زالت قضايا اللجوء لم تحل بشكل جذري، كيف لها أن تُحل وما التاريخ إلا صراع طبقي.

فاللجوء ظاهرة قديمة وتعود جذورها إلى بدايات الصراع الطبقي، لا الكامن بل الظاهر. فقديماً كان اللجوء يعبّر عن الهروب إلى منطقة اخرى أكثر أمناً بسبب الصراع بين القبائل أو بين أفراد القبيلة أو (الدول) أو الامبراطوريات.. لذا كلمة (لجوء) ليست بالكلمة المستحدثة في معظم لغات العالم.

يمكن تقسيم أسباب اللجوء إلى قسمين كبيرين، كما يمكن أن يدرج تحتهما أسباب فرعية متعددة، وهما 1) الأسباب الطبيعية. 2) الأسباب البشرية.

1) أسباب طبيعية: تعود إلى الكوارث التي تسببها الطبيعة، بمعنى تغيرات تحدث في الطبيعة وتؤدي إلى كوارث بشرية لا علاقة للعامل البشري بحدوثها، مع لحظ أن هذا كان قديماً، وحديثاً يلعب البشر دوراً كبيراً في أسباب الكوارث الطبيعية. ومن الكوارث الطبيعية الزلازل، وانفجار البراكين، والأعاصير والفيضانات والأوبئة.. كل هذه الكوارث الطبيعية كانت، وما زالت، تؤثر على استقرار الجنس البشري في بقعة جغرافية محددة، فتجبره على اللجوء إلى منطقة جغرافية أخرى أكثر أمناً.

2) الأسباب البشرية: انطلاقاً من قاعدة بديهية مفادها ما التاريخ إلا صراع طبقات تأتي كل أنواع النزاعات لتندرج تحت هذا التصنيف، ومن هذه الصراعات الظاهرة لا الكامنة، لأن الصراع الطبقي يمكن أن يكون كامناً ويمكن أن يكون ظاهراً، الحروب بكل صيغها. وهي أيضاً تجبر جزءاً من المقيمين في بقعة جغرافية محددة على اللجوء إلى بقعة جغرافية أخرى أكثر أمناً.

قديماً يمكن ترجمة اللجوء بأشكال متعددة، على سبيل المثال لا الحصر كان انتقال قبيلة من مكان إلى آخر بعد تعرضها لغزو يُعتبر لجوءاً، أو هروب بعض أفرادها، أو حتى فرد من أفرادها، إلى قبيلة أخرى بسبب خلافات داخل القبيلة يُعتبر لجوءاً. ومع كل تطور في المجتمعات تتطور معه صيغ اللجوء بما يتناسب مع هذه الصيغ التطورية، فعلى سبيل المثال لا الحصر مع بداية بناء المعابد أصبح بالإمكان للإنسان اللجوء إليها باعتبارها أماكن (مقدسة) وبهذا فهي آمنة لا يجوز القتل فيها.

ومن هنا يمكن القول إن صيغ (اللجوء) يتطور مفهومها مع تطور الظروف الموجودة فيها، ومع كل انتقال من نمط إنتاج إلى آخر يتطور مفهوم اللجوء.

في الوقت الراهن وضمن نمط الإنتاج الرأسمالي هناك ما يُعرف بالدولة الحديثة مع كل ما يرافق هذا المفهوم من تغيرات طرأت عليه في نمط الإنتاج هذا وما صحبه من ظهور مفاهيم تتلاءم معه، وبالتأكيد اللجوء واحدة منها.

لقد أصبحت جنسية البلد مسألة أساسية في حياة الإنسان المعاصر، وبهذا أصبح يُعامل وفقاً لجنسيته، ولا يمكن للإنسان الحالي إلا أن يحمل جنسية، وإن كان هناك الكثير منهم في دول العالم (الثالث)، وما هذا إلا دليل على عدم اكتمال مفهوم الدولة.

فكل مواطن لا بد له أن يحمل جنسية بلده، وعند حدوث نزاعات داخلية أو مع دولة أخرى يهرب (المواطنون) من هذا البلد، إن كان النزاع داخلياً، وإن كان نزاع بين دولتين يهربون إلى بلد ثالث، إلى بلد أكثر أماناً. وغالباً ما يهرب (المواطنون)، في حالة النزاعات الداخلية، إلى دول حدودية مجاورة للدولة التي نشب بها النزاع. ويعود هذا إلى قرب المسافة.

لم يعد اللجوء مسألة عشوائية، بل أصبح هناك قوانين عالمية تحكمه، بمعنى أصبح هناك اتفاقيات دولية وقّعت عليها معظم دول العالم لكيفية التعاطي مع مسألة اللجوء.

وعند حدوث موجات لجوء تتدخل المنظمات الدولية المعنية بهذا الشأن، إضافة إلى الدول الاخرى لحل هذه الإشكالية ومن ضمنها (الحفاظ على حياة اللاجئ وحقوقه) في الدولة التي لجأ إليها، وتطبيق قوانين اللجوء العالمية.

لكن ما يمكن لحظه في مسألة اللجوء هو التعامل مع ظاهرة اللجوء ونتائجها من دون الدخول في الأسباب الفعلية التي أدت إلى اللجوء! وقد يكون أبرز مثال على هذا مسألة اللجوء السوري.

نشبت النزاعات الداخلية في سورية ولجأ ملايين من الشعب السوري إلى الدول المجاورة، إضافة إلى الدول الأوربية، ويقدر عدد اللاجئين السوريين بما يقارب نصف سكانها، أي نصف سكان سورية أصبحوا لاجئين في أنحاء العالم.

وهنا آلاف وآلاف من التقارير حول هذه المسألة وكلها تتعاطى مع كيفية التعامل معهم، ومؤتمرات دولية لإعانة اللاجئين في هذه الدول. فمنهم من حصل على جنسيات الدولة التي لجأ إليها، وتحديداً من هم في الدول الأوربية، ومنم ما زال يعيش في مخيمات لجوء، وتحديداً في معظم الدول العربية وتركيا، معتمدين في حياتهم على الإعانات، وجزء يسير منهم أستطاع تأمين دخل من خلال عمل يقوم به. مع لحظ أننا هنا نتحدث عن اللاجئين الذين لا يملكون رأس مال ضخماً، فهؤلاء يتنقلون من مكان إلى آخر ومن بلد إلى آخر بأدنى حد من المعيقات بسبب رأسمالهم.

لكن الأمر اللافت للنظر في آخر استفتاء قامت به المنظمة الدولية لشؤون اللاجئين (UNHCR)، آذار 2021، تبين أن هناك 82% منهم لا يريد العودة إلى سورية! وقد جرى هذا الاستفتاء في الدول العربية وتركيا! إن كانت هذه النسبة في الدول العربية رغم كل ما يعانيه اللاجئون في هذه الدول من حالات تهميش، فكم هي نسبة من هم في الدول الأوربية؟ ما هي أسباب رفض عودتهم؟

لذا قبل عقد مؤتمرات (دولية) لعودة اللاجئين، ألم يكن من الأجدى البحث عن سبب عدم رغبتهم بالعودة؟ ومن ثم العمل على حل هذه المعيقات التي تقف في وجه عودتهم! لتكون عودتهم طوعية!

العدد 1104 - 24/4/2024